الرغيف والسعادة الحكومية والتوحش

الرغيف والسعادة الحكومية والتوحش

التوحش الليبرالي يستقوي على رغيف الخبز، الملاذ الأخير للغالبية من المفقرين على مستوى أمنهم الغذائي بحدوده الدنيا.

 

منذ بدأت أزمة الخبز الأخيرة، التي طالت، استعاذ الناس من الشيطان بها، وتوقعوا أنها مقدمات لتبرير تخفيض الدعم عن المادة، وهو ماجرى عملياً من خلال الإجراءات الرسمية التي تم اتخاذها بذريعة الحد منها، وخاصة ما يتعلق بوضع سقوف للاستهلاك مؤخراً، بحسب عدد أفراد الأسرة بموجب البطاقة الذكية، وبواقع رغيف واحد فقط للمواطن في كل وجبة تقريباً. لكن الجلي في الأمر أن هناك أكثر من شيطان يسرحون ويمرحون على هامش الأزمة وبعمقها، وعلى حساب حاجات استهلاك المواطنين، حيث استمرت الأزمة وتفاقمت، كما استمر معها تراجع جودة الرغيف ومواصفاته.

آخر ما حرر بهذا الشأن هو الإعلان الرسمي عن النوايا الحكومية المبيتة نحو استكمال إجراءات تخفيص الدعم على الرغيف بذريعة الأزمة.

فبحسب وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك المهم هو "ضمان توفير وجودة الرغيف"، مؤكداً على أن "أي قرار بخصوص زيادة أو تخفيص الأسعار ليس قرار وزير بل الحكومة مجتمعة"، بينما نقل عن رئيس الحكومة قوله أن "الرغيف خط أحمر ولن يمس إلا بالحدود البسيطة"، مؤكداً أن "الحكومة ملزمة باتخاذ قرارات قاسية لها وليست سعيدة بذلك، لكنها محكومة بها نتيجة ظروف معينة".

الواضح للعيان أن الحكومة لم توفق حتى بمسؤوليتها التي اقتصرت، حسب زعمها، على "توفير وجودة الرغيف"، فلا الكميات المحددة للاستهلاك كانت كافية للحاجة، والرغيف من سيء لأسوأ على مستوى الجودة، ومع ذلك لم تُقصر أبداً على مستوى تخفيص الدعم على الرغيف حتى تاريخه، وهي ماضية بهذا الاتجاه، ولا يمكن الحديث هنا عن حدود بسيطة وأخرى معقدة، فالتخفيض المتتالي على دعم الرغيف تخطى كل الخطوط الحمراء، ولم يعد بسيطاً أبداً، وآثاره ونتائجه أعمق بكثير، خاصة وأن الحدود الدنيا من الأمن الغذائي أصبحت أكثر ارتباطاً به بعد أن تقلصت سلة الاستهلاك الغذائي للغالبية من المفقرين بسبب استمرار تردي الوضع الاقتصادي المعيشي وزيادة معدلات النهب، وصولاً لدرجات مرتفعة من العوز الغذائي والجوع.

أما ما يفقأ العين فهو الحديث عن القرارات الحكومية القاسية، فهي تأت على حساب المفقرين دائماً، ومهما كانت الظروف، أما ما يتعلق بسلاسل وشبكات الاستغلال والنهب والفساد، التي اغتنت وأثرت على حساب الرغيف من جيوب المواطنين، وعلى حساب "الدعم" والاقتصاد الوطني، فلا قرارات قاسية بحقهم أبداً، وربما لا غرابة بذلك فالسياسات الليبرالية التي وصلت حد التوحش تعمل لخدمة مصالح هؤلاء كما تحميهم، وإن كان ذلك على حساب المصالح الوطنية العليا، وهو ما جرى ويجري حتى الآن، ليس بما يتعلق بالرغيف أو بقية ما يسمى سلع مدعومة فقط، بل وعلى كافة المستويات.

وبعيداً عن الحديث عما يسعد الحكومة أو يسيئها، فلعل السعادة الأهم تكون ارتباطاً بمصلحة المواطنين وبالمصلحة الوطنية، التي باتت، ومنذ زمن، تفرض ضرورة الخلاص من التوحش الليبرالي وسياساته، ومَن تعمل لمصلحتهم وتحميهم من كبار حيتان الاستغلال والنهب والفساد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
000