رغيف الخبز من أزمة إلى أخرى دون حلول..
تفاقم جديد لأزمة الخبز يلوح في الأفق، وقد بدأت ملامحه بالظهور من خلال زيادة الازدحام أمام المخابز والأفران، وتوقف بعضها عن العمل، فيما تزايد نشاط السوق السوداء على الرغيف.
طوابير الانتظار أمام المخابز لم تنخفض برغم كل ما تم الترويج له عن آليات العمل بموجب ذكاء البطاقة، وإجراءات تحديد الكميات وتخفيضها، وغيرها من الإجراءات الأخرى، وقد وصل سعر ربطة الخبز أمام أفران ابن العميد إلى 800 ليرة.
الأمر لم يقف عند حدود رغيف الخبز التمويني، فطوابير الانتظار شملت المخابز السياحية أيضاً، هذا في حال من الممكن استمرار تسميتها كذلك!
التغني بالوفر على حساب الحاجة
بعد أن تم وضع سقف استهلاك للمواطن بمعدل ثلاثة أرغفة يومياً فقط، وذلك على ضوء تطبيق نظام الشرائح في بيع الخبز عبر البطاقة الذكية، طالعنا مدير عام السورية للمخابز، عبر إحدى الصحف المحلية، ببعض الأرقام التي تقول: إن الآلية المتبعة حققت وفراً في الدقيق التمويني بحوالي 100 طن يومياً، وأغرقنا بسرد بعض الأرقام الإضافية بغاية تعزيز القناعة بإيجابية الآلية الجديدة بسقوفها الاستهلاكية، والمزيد من التسويق لها.
من المفروغ منه، أن تخفيض كميات الخبز الموزعة عبر البطاقة الذكية للمواطنين سيؤدي إلى تخفيض مقابل لكميات الدقيق الداخلة في تصنيع الرغيف، وإلّا فما الغاية من وضع السقوف للاستهلاك إن لم تحقق هذه الغاية المرجوة من قبل صانعي ومسوقي قرار التخفيض أصلاً!
لكن أن يجري الحديث عن هذا التخفيض، على الدعم عملياً، على أنه إنجاز رقمي ووفر فهذا شأن آخر!
فجزء هام من «الوفر» المحقق بهذا الصدد كان على حساب حاجات الاستهلاك الفعلي للمواطنين من هذه المادة الغذائية الحياتية، المرتبطة بالأمن الغذائي!
ومع هذا الشكل من التغني بالأرقام المنجزة والمحققة قد لا نستغرب لاحقاً أن تجري عمليات تخفيض إضافية على حصة المواطن اليومية من هذه المادة «المدعومة»، فهذا سيحقق وفراً إضافياً دون أدنى شك!
في المقابل، تجدر الإشارة إلى أن تطبيق الإجراء أعلاه، يعني: أن عوز المواطنين لمادة الخبز كان مصدراً أساسياً من مصادر الوفر، الذي يتغنى به مدير المخابز، فما تم اقتطاعه من كميات بموجب السقوف المفروضة، دون اعتبار لحاجة الاستهلاك الفعلي للمواطنين، دفع هؤلاء إلى اللجوء لتأمين حاجاتهم عبر البدائل المتاحة، وأولها: هي السوق السوداء للرغيف التمويني أمام المخابز والأفران، الأمر الذي عزز من وجود هذه السوق، بل وأهميتها وضرورتها مع الأسف!
تهاوي الذرائع
أن يصل سعر ربطة الخبز التمويني إلى 800 ليرة، استغلالاً وفساداً، عبر شبكات السوق السوداء التي تعمى عنها عيون الرقابة والمحاسبة، تسقط معه وأمامه كل الذرائع التي كانت تتحدث مثلاً عن تهريب هذا الرغيف وبيعه كعلف، مع عدم نفينا لذلك طبعاً، كما تسقط معه وتتهاوى كل الإجراءات التي تم اتخاذها على أنها لمصلحة المواطنين، وضماناً لوصول «الدعم» لمستحقيه.
فها هم مستحقوه من المسحوقين يضطرون لشراء رغيفهم بأسعار خيالية درءاً لمخاطر تزايد جوعهم مع أبنائهم، سواء من قبل شبكات بيع الخبز أمام المخابز التموينية، أو ما يسمى بالخبز السياحي، مع استمرار مهازل الوقوف في طوابير الانتظار الطويلة، التي تعني هدر الوقت والتعب والإرهاق، بالإضافة إلى عوامل الإذلال.
الالتفاف على الحقائق
نعيد ونكرر، إن المشكلة كانت وما زالت تتمحور حول الالتفاف على الحقائق، المعروفة والمفضوحة، مع استمرار توجيه الأنظار إلى موضوع الدقيق التمويني في حلقته الأخيرة المرتبطة بالرغيف، وعلاقته المباشرة مع المواطن عبر هذه الحلقة من سلسلة الإنتاج والتصنيع، دون الخوض في بقية الحلقات التي يتم تهريب الدقيق التمويني من خلالها، بالإضافة إلى هوامش النهب والفساد الكبيرة الإضافية في هذ السلسلة، اعتباراً من القمحة.
وها هي أزمة الرغيف تتفاقم على مرأى ومسمع الجميع، وعلى المستويات كافة، دون أن تجد لها الحلول النهائية والشافية، بل تتزايد معها عوامل الاستغلال التي يدفع ضريبتها المواطنون يومياً، على حساب حاجاتهم ومعيشتهم ووقتهم وجهدهم وكرامتهم.
فإلى متى ستستمر التغطية على الفساد والمفسدين، كبارهم وصغارهم، الذين أحالوا عيشة المواطنين إلى جحيم، حتى على مستوى الحدود الدنيا من الأمن الغذائي المتمثل برغيفهم اليومي «المدعوم»؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 988