الأزمات المفتعلة والحلول الرسمية
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

الأزمات المفتعلة والحلول الرسمية

اختفت طوابير السيارات أمام الكازيات بقدرة قادر مباشرة بعد قرار رفع سعر البنزين خلال الأسبوع الماضي، لتسقط معه كافة الذرائع والتبريرات الرسمية المساقة عن توقف مصفاة بانياس، أو عن موسم السياحة، أو عن قلة التوريدات، بل وحتى ذرائع العقوبات والحصار.

 

أزمة المازوت والغاز المنزلي ما زالت مستمرة، بانتظار مآلات حلحلتها، التي ربما لن تكون أفضل حالاً من آليات حلحلة أزمة البنزين من خلال رفع سعرها، فها هي مصفاة حمص تتوقف عن العمل بغاية الصيانة الآن، ولا ندري ما هي الانعكاسات السلبية لذلك لاحقاً، في الوقت الذي يترقب فيه المواطنون موعد وصول الرسالة الخاصة بشأن استلام أسطوانة الغاز المنزلي، وها هم ينتظرون مواعيد استلام مستحقاتهم من مازوت التدفئة، التي ما زالت قيد الانتظار، وها هي أزمة المواصلات بدأت تتفاقم مشيرة إلى مشكلة في توريدات المازوت.

أما الأسوأ، فهو النتائج الكارثية على الأسعار في الأسواق، للسلع والمواد والخدمات، بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية المتتالي، والتي يدفع ضريبتها عموم السوريين، وخاصة الغالبية المفقرة.

 

تحضيرات مختبرة مسبقاً

 

من البداية، لم يكن الأمر مفاجئاً للمواطنين، فقد توقع هؤلاء ومع بدء ظهور أزمة البنزين، أن هناك نوايا مبيتة من أجل رفع سعره، فهذا ما عهدوه مع الإجراءات الحكومية التحضيرية قبل كل قرار يتضمن رفع سعر مادة من المواد التي يقال عنها أنها «مدعومة»، وهو ما جرى ويجري دائماً بهذا الشأن.

فبعد أن طال انتظار الحلول لأزمة البنزين التي استمرت لأكثر من شهرين، وبمجرد صدور قرار رفع سعره رسمياً، أصبحت الكميات الموردة إلى الكازيات من المادة كافية لتسد حاجات الاستهلاك للسيارات بكافة أنواعها وشرائحها وبكافة المحافظات، ولتظهر الحقيقة جلية للعيان، أن جزءاً هاماً من الأزمة كان مفتعلاً بغاية تبرير رفع السعر، طبعاً مع عدم إغفال حصص الاستغلال، سواء بما يخص استعار عمل شبكات السوق السوداء على المادة خلال الأزمة وبسببها، أو بما يخص هوامش الربح الإضافية المقتطعة لصالح الموردين والفاسدين والمستغلين بموجب السعر الجديد.

المستجدات الرسمية غير مبشرة

مع تفاقم أزمة المازوت حالياً، التي تتمظهر من خلال أزمة المواصلات، أو من خلال تأخر تسليم دفعات مازوت التدفئة للمواطنين، بدأت التساؤلات على ألسنة المواطنين عن التالي من نتائج بسبب الأزمة! 

ومع الاستباق برفع سعر البنزين والمازوت الصناعي، أصبح خيار رفع سعر مازوت التدفئة والنقل شبه محسوم، ربما بانتظار موعد صدور القرار الرسمي فقط، وعسى نكون مخطئين!

وكذلك هي الحال مع أسطوانات الغاز المنزلي، فقد توقف وصول الرسائل الخاصة بالمادة للمواطنين، أو تباعد فترات الاستلام، ولعل ذلك يكون تحضيراً لرفع سعر الأسطوانة لاحقاً، وعسى نكون مخطئين أيضاً!

في الأحوال جميعها، لا غرابة مع كل الإجراءات الحكومية، سواء التحضيرية أو التنفيذية، فتخفيض الدعم وتحرير الأسعار جزء من السياسات الليبرالية المعتمدة والمطبقة حكومياً منذ عقود وحتى الآن، وبهذا الصدد لسنا مخطئين دون أدنى شك.

 

تحليق جديد للأسعار

 

موجات ارتفاعات الأسعار المتتالية ليست بحاجة لذرائع، فالواقع يقول: إن الأسعار منفلتة في الأسواق على المواد والسلع والخدمات كافة، وكل يغني على ليلاه بهذا المجال، فكيف عندما يكون هناك تبرير أو ذريعة ما، وخاصة إن كانت رسمية وعلى مادة رئيسية تدخل في تفاصيل جميع الكلف مثل: المشتقات النفطية؟!

الفاقئ للعين، أن تُقدم بعض التبريرات لإقناع المواطنين أن قرارات رفع السعر تأخذ بعين الاعتبار مصلحتهم، أو أنها بغاية إيصال الدعم لمستحقيه، كما يجري مع كل قرار رفع سعر حكومي! والأسوأ هو اعتبار قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية محدودة الأثر والتأثير على أسعار المواد والسلع والخدمات في الأسواق، كما جرى من حديث بما يخص المازوت الصناعي مؤخراً، بينما واقع الحال يقول: إن الارتفاعات المتتالية للأسعار، بغض النظر عن مبرراتها جميعها، تدفع بالغالبية المفقرة من السوريين نحو الفاقة والعوز، لتأتي الأزمات بمزيد من الدفع نحو الجوع.

وربما اختصاراً يمكن القول: لا نهاية لمسلسل الأزمات متتالية الأجزاء وأساليب حلحلتها المتعارف عليها رسمياً، من جيوبنا وعلى حساب معيشتنا، إلا من خلال الانتهاء بداية من مسلسل السياسات الليبرالية المطبق نفسه، وبعد إضعاف وتحييد أدوار القائمين عليها والمستفيدين منها من كبار الناهبين والفاسدين.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
989