الرغيف.. أزمة فساد عميقة ومستمرة بلا حلول!
تستمر أزمة رغيف الخبز وتتفاقم على مستويات عديدة، تبدأ من عدم كفاية الحاجة منه وفقاً لسقوف الكميات المسموح استلامها بموجب البطاقة الذكية لكل أسرة، ولا تنتهي بمظاهر الازدحام على الطوابير، وبالعمق تبدأ بعوامل النهب والفساد، ولا تنتهي بإجراءات تخفيض الدعم على المادة.
فكافة الإجراءات التي تم اتخاذها باسم رغيف الخبز، ومن أجل مصلحة المواطنين، أثبتت فشلها الذريع حتى الآن، كما تهاوت كافة الذرائع المساقة لتبرير هذه الإجراءات، فلا الأزمة تم حلها، ولا مصلحة المواطن تمت المحافظة عليها.
وقمة الإنجازات الرسمية على هذا المستوى تقزّمت، مثلاً: بأن يتم الاحتفال بإعادة افتتاح أحد الأفران، أو بإعادة النظر بجزء من آليات توزيع المادة، وهذه وتلك من الإجراءات لا علاقة لها بجوهر الأزمة، وبالتالي، لن تحلها بكل تأكيد.
الدفع نحو الجوع رسمي
من المفروغ منه، أن الصور التوثيقية المتداولة عن الأزمة بمظاهرها السلبية الفاقعة، ليست أكثر إيلاماً وأشد وطأة على من يشاهدها ممن يعيشها ويعاني منها ويدفع ضريبتها، تعباً وإرهاقاً وهدراً للوقت، وفوقها جوع يحوم على أفراد الأسر المفقرة.
فقد تجاوزت أزمة الرغيف حدود مظاهر الإذلال على طوابير الانتظار، التي أصبحت طويلة مسافة وزمناً، بأشواط، مع كل الإهمال واللامبالاة الرسمية حيالها، بل على العكس، فبعض التعليمات والإجراءات الرسمية كرست الأزمة ووسعتها وعممتها وعمقتها أكثر مما كانت عليه بكثير.
فالتعليمات التي حددت سقوف الاستهلاك اليومية لكل أسرة، دون الحاجة الفعلية، مثلاً، بالإضافة إلى كونها أحد أشكال تخفيض الدعم، وقد حققت وفراً على حساب الحاجات الفعلية تغنّى به الرسميون بكل فجاجة، إلّا أنها في واقع الأمر كرست حالةً من العوز للرغيف، باعتباره مصدر الغذاء الأساس للغالبية المفقرة، وبالتالي، فقد كانت هذه السقوف سبباً إضافياً لتعميق وتعميم الأزمة، من خلال تعزيز وتفاقم العوز والجوع، وسبباً لتعزيز دور شبكات السوق السوداء على الرغيف، باعتبارها إحدى البوابات المتاحة لترميم نقص الحاجة.
الرسميون والأزمة
الفاقع في الأمر، أن يجري الحديث عن إعادة النظر ببعض آليات توزيع المادة، مثل: أن يفسح المجال للمخصص بربطة واحدة يومياً أن يستلم هذه المخصصات عن يومين، وكأنه إنجاز عبقري يسجل باسم مقترحيه أو منفذيه لاحقاً، علماً أن هؤلاء نفسهم هم مبدعو التعليمات المدعمة بالذكاء التي أوصلت حال الازدحام على الطوابير لما وصلت إليه، مع عدم نفي أن هذا الإجراء قد يساهم بتخفيف الازدحام على طوابير الانتظار بشكل جزئي ومحدود، لكنه بدون أدنى شك لن يحل الأزمة التي كرستها التعليمات نفسها على مستوى سقوف الاستهلاك الأسري والفردي.
الأكثر غرابة، أنه وبعز الأزمة التي من المفترض أن تسخر لها كل الإمكانات وتحشد من أجلها كل الطاقات، أن يتم هدر وقت وزير حماية المستهلك ومدير عام المخابز، مع حاشيتهما، وسياراتهم جميعاً، وبوجود العدد الكافي من المصورين ووسائل الإعلام، فقط من أجل «الاحتفال» بإعادة تشغيل أحد المخابز في دمشق، بعد الانتهاء من أعمال الصيانة له، علماً أن الطاقة الإنتاجية لهذا المخبز لا تتجاوز 10 أطنان يومياً، وبالتالي، فإن حجم مساهمته على تخفيف حدة الأزمة يعتبر محدوداً جداً بمقاييس احتياجات مدينة كدمشق.
وبعز هذه الأزمة أيضاً، تجد أن مجمع أفران ابن العميد في دمشق مثلاً، المكون من خمسة مخابز، فيه ثلاثة مخابز متوقفة عن العمل في بعض الأوقات، ولا ذرائع يمكن أن تكون مقنعة بهذا السياق بهذه المرحلة مهما كانت!
بمطلق الأحوال وبدون إطالة، من الواضح أن الرسميين يتعاملون مع الأزمة بسطحها، دون الغوص في عمقها بغاية حلها فعلاً، وهو ما جرى ويجري حتى الآن، والأسوأ هو الدفع نحو المزيد من الجوع والعوز للرغيف.
الفساد ثم الفساد ولا شيء غيره
بكل اختصار يمكن القول مجدداً: أن لّا حل نهائياً لأزمة الرغيف طالما استمرت عوامل النهب والفساد الكبير باسمه، وبغض النظر عن كل ما يقال عن دعمه المتآكل، أو عن خطوطه الحمراء الغائبة.
فعمق الأزمة مرتبط بتوريدات الدقيق والطحين، والصفقات الدولارية المليونية كقيمة تعاقدية لها دورياً، بالإضافة إلى ارتباطها بعمل الصوامع، والمطاحن (العامة والخاصة)، وبتهريب الدقيق التمويني، كما أنه مرتبط بعمل المخابز (العامة والخاصة) وبشبكات السوق السوداء على الرغيف كحلقة نهائية مرتبطة بحاجات الاستهلاك الفعلي للمواطنين، وبدون حلحلة شبكات الفساد المرتبطة بعمق كافة هذه الحلقات لن تُحل أزمة الرغيف بشكل نهائي.
لتحميل العدد 992 بصيغة PDF
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 992