رغيف الخبز نحو طابور إضافي وإنفاق جديد
سمير علي سمير علي

رغيف الخبز نحو طابور إضافي وإنفاق جديد

ما زال التخبط والارتجال هو الحال السائدة فيما يتعلق بحل مشكلة رغيف الخبز، وكأن هذه المشكلة من التعقيد والضخامة بحيث تتكاثر المقترحات وآليات العمل من أجلها، ليتبين ويثبت أن التجريب على حساب المواطن وبه هي الطريقة الأسهل على ما يبدو بهذا الصدد.

ولم لا؟ طالما جوهر المشكلة لم يوضع على طاولة البحث بشكل جدي حتى الآن؟!
فما زالت مشكلة رغيف الخبز مستمرة، وما زالت الحلول المقترحة تدور في حلقة مفرغة على حساب المواطنين، وآخر ما حرر بهذا الصدد هي مساعي تطبيق تجربة جديدة تتمثل بتوزيع فيش للمواطنين بعدد ربطات الخبز المستحقة للأسرة، ليصار إلى أخذه إلى نافذة البيع لاستلام ربطات الخبز وتسديد ثمنها!
التفسير العملي للتجربة الجديدة المقترحة أن المواطن سيضطر للوقوف في طابور الانتظار مرتين بدلاً من مرة واحدة، فأي إنجاز وأي حل مقترح هذا؟!

من التجريب إلى الإبداع!

من أجل حل مشكلة رغيف الخبز تم اعتماد البطاقة الذكية لتوزيع وبيع الخبز بسقف 4 ربطات للأسرة بداية، لكنها لم تسفر عن النتيجة المطلوبة، فالازدحام استمر، وشبكات بيع الخبز في السوق السوداء بقيت تعمل على قدم وساق، وكذلك تهريب الدقيق التمويني والاتجار به.
ثم تم تحديد سقوف لعدد الربطات بحسب تعداد أفراد الأسرة، لكن ذلك لم يقدم أو يؤخر لحلحلة المشكلة، بل تفاقمت أكثر، خاصة على مستوى الازدحام، ومن البدهي أن ذلك سيكون من النتائج المتوقعة، فقد أصبح لزاماً على جميع أصحاب البطاقات الذكية الوقوف في الطوابير يومياً للحصول على حصتهم المسقوفة من الربطات، المحسوبة وفقاً لحدود حاجتهم الاستهلاكية بالحدود الدنيا.
وربما كان من الأجدى لو فسح المجال أمام هؤلاء الحصول على حصتهم المسقوفة عن يومين أو ثلاثة مثلاً، كي يتم تلافي جزء من المشكلة المتمثل بالازدحام اليومي، لكن ذلك لم يتم إقراره، بل بدلاً من ذلك جرى تجريب آخر الإبداعات في هذا المجال، وهو الوقوف في الطوابير مرتين بحسب الاقتراح الجديد، ليزيد الطين بلة على حساب المواطنين وجهدهم ووقتهم.

تفاصيل التجربة المريرة والمكلفة

نقل عن مدير عام المؤسسة السورية للمخابز، عبر إحدى الصحف المحلية، أنه: «بدأ تطبيق تجربة جديدة في المخابز للتخفيف من الازدحام من خلال توزيع فيش للمواطنين بعدد ربطات الخبز المستحقة للأسرة بنظام الشرائح في البطاقة الإلكترونية، ومن ثم أخذ الفيش إلى نافذة البيع لاستلام ربطات الخبز وتسديد ثمنها.. بتطبيق تجربة الفيش نسهل ونسرع عملية البيع وعدم تكدس الخبز.. في المرحلة الثانية سنقوم بتخصيص موظف للمحاسبة واستلام ثمن الخبز بعد قطع الفيش، وبذلك نمنع الازدحام أمام المخابز، ولاحقاً سيتم تطبيق التجربة في باقي المحافظات على المخابز التي تعاني من الازدحام».
التفسير العملي للمقترح التجريبي المبدع أعلاه، لم يقف عند حدود ما سيعانيه المواطنون من أعباء إضافية جرّاء الوقوف مرتين في الطوابير فقط، بل في النفقة الجديدة المترتبة على هذا الاقتراح بتفريغ موظف للقيام بالمهمة الجديدة، ولا ندري كيف سيتم تبويب هذه النفقة، ومن أين سيتم تغطيتها، باعتبار أن رغيف الخبز «مدعوم» استناداً لتكاليف يفترض أنها محسوبة بدقة، بما في ذلك ما تتضمنه من أيدٍ عاملة على مستوى أجورها وتعويضاتها؟!

تهرّب من إيجاد الحلول

الجلي بكل ما يتعلق بمشكلة رغيف الخبز حتى الآن، أن الاقتراحات والحلول المقدمة والمجربة كلها، بما في ذلك الإبداع الأخير، ما زالت تحوم حول المشكلة في هامشها، وفي حلقتها الأخيرة وعلى حساب المواطنين، دون الغوص فيها لمعالجتها من جذورها، بل التهرب من هذه المعالجة، ما أدى ويؤدي إلى تعميقها أكثر.
فمشكلة الرغيف قد تظهر في حلقة البيع الأخيرة المرتبطة بالصلة المباشرة مع المواطنين وحاجتهم لهذا الرغيف، ويصار إلى التركيز على هذه الحلقة دون سواها، مع تسليط الضوء على المواطنين وكأنهم فاعلون بها أو مستفيدون منها، علماً أنهم ضحاياها، سواء على مستوى عامل الزمن المهدور على الطوابير، أو على مستوى الإرهاق والتعب جرّاء الانتظار، أو على مستوى الاضطرار لدفع مبالغ إضافية للحصول على رغيف الخبز، سواء عبر اللجوء إلى شبكات البيع بمحيط المخابز، أو اللجوء للخبز السياحي.
ولا جديد إن قلنا: إن مشكلة الرغيف لا تبدأ بهذه الحلقة الأخيرة، بل هي استكمال لمجموع مشاكل عميقة في كامل سلسلة إنتاجه وتصنيعه، وما يرتبط بهذه السلسلة من ترهل وأوجه فساد كبير.
ولعل ما يتم ضبطه من دقيق تمويني مهرب للسوق مؤشر على ذلك، علماً أن ما يتم ضبطه هو جزء محدود مما يتم تهريبه ونهبه عملياً من هذه المادة الحياتية المدعومة افتراضاً، سواء من قبل المطاحن أو من قبل المخابز، الحكومية والخاصة، ولعل هذه الكميات لو وضعت في تصنيع الرغيف المدعوم لما ظهرت المشكلة بهذا الحجم، ولما وصلنا لما وصلنا إليه من اقتراحات وإبداعات وتجريب على حساب المواطنين ومن جيوبهم!

فكفّوا عنا إبداعاتكم وتجاربكم، وكفى تضخيماً وتعقيداً لجزء من المشكلة على حساب المواطنين وباسم الذكاء المفقود، فالمشكلة قديمة، ومفرداتها باتت معروفة.
والأهم: كفى تهرّباً من معالجة أسّ المشكلة، بعمقها وتفاصيلها، سواء بسبب اللامبالاة وانعدام المسؤولية، أو بغاية التغطية على شبكات النهب والفساد، العاملة في عمق إنتاج وتصنيع وتوزيع وبيع الرغيف.

معلومات إضافية

العدد رقم:
986
آخر تعديل على الإثنين, 05 تشرين1/أكتوير 2020 17:15