عرض العناصر حسب علامة : الحركة الشعبية في سورية

الانتهازية اليسارية والأزمة السورية (*)

 الانتهازية اليسارية ظاهرة تاريخية ذات جذور اجتماعية لازم وجودها تاريخياً حركات اليسار عموماً والحركة الشيوعية خصوصاً. خاصتها الأساسية هي تبني مواقف سياسية يمينية الطابع من ناحية الجوهر ولكن مخرّجة بقالب (يساري) عبر إطلاق شعارات سياسية (أقصوية) لا تسمح موازين القوى على الأرض بتحقيقها، وغالباً ما تعتمد على استبدال التكتيك بالاستراتيجية. تستخدم هذه القوى عموماً ما يمكن أن يطلق عليه (الطريقة) الانتهازية اليسارية مستعينة بتكنيكات شبه موحدة تاريخياً في صياغة خطابها وتخريج مواقفها. أهم عناصر هذه الطريقة:

من الذاكرة الثورية

11/3/1970 التوقيع على اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد بين الحكومة العراقية والأكراد وهو الاتفاق الذي عرف باتفاق 11 آذار والقاضي بحق الأكراد في الحكم الذاتي، وقد وقع الرئيس السابق صدام حسين عن الحكومة العراقية والملا مصطفى البارزاني عن المقاتلين الأكراد.

ما بين الديمقراطي والاقتصادي - الاجتماعي

بذلت قوى المعارضة اللاوطنية كل جهدها للفصل ما بين المطالب في الحريات السياسية والمطالب الاقتصادية- الاجتماعية في المرحلة الأولى من ظهور الحركة الشعبية السلمية، وعملت على تقديس الأولى ضمن منطق محدّد وهو رحيل النظام وانتقال السلطة إليها، وأرجأت الثانية إلى آجال غير معروفة. ولم تتوقف تلك القوى عند هذا الحد، إذ سرعان ما انقلبت على شعارات الحريّة والديمقراطية أو الكرامة أو العدالة الاجتماعية..الخ، وأصبح الهدف هو إسقاط النظام عبر العمل المسلح والجهاد والتدخلات الخارجية.. الخ. وهمّشت تلك القيم التي انتقلت إلى سورية بوحي من الشحنة المعنوية الهائلة للحدثين التونسي والمصري، وذلك لحساب الحالة النفسية التي رافقت الحدث الليبي، التي اتسمت بطابع ثأري وندبي وموتور، يهدف إلى إبقاء الحركة الشعبية ضمن حدود الانفعال والتأثّر بعيداً عن التنظيم وممارسة التأثير الفعّال..

تغيير الشكل أم تغيير المضمون؟

لا مكان لما يسمى«أخطاء فردية» فيما يجري في سورية اليوم، فالكل يرتكب حماقات وأخطاء قاتلة تودي بالبلاد إلى الهلاك المحتم. لم يعد القتل والاعتقال والقصف والتشبيح حكراً على النظام فقط، بل غدت تلك سياسة أجزاء من المعارضة أيضاً، فالـ«الثورة» التي بدأت بشعارات الحرية والديمقراطية، صابةً جام غضبها على سياسة الحزب الأوحد، يحاول بعضهم تحويلها إلى تغيير الحزب الواحد الى حزب آخر لاأكثر ولا أقل، حيث لا مكان للآخر مرة أخرى، ولا تغيير في جوهر النظام، ليبقى الجوهر، ولكن بوجه جديد..

الأزمات.. واقتصاد البسطات

اعتاد المواطنون السوريون أن يروا مستوى عال من «تسامح» أصحاب الأمر والنهي مع أصحاب البسطات والعربات في أوقات الأعياد، وكانوا يقبلون بذلك ويتمنون استمراره ولا يستهجنونه أبداً، انطلاقاً من بعض القيم الاجتماعية السائدة، والتي يدعو معظمها إلى ضرورة«جبر الخواطر»، أو يقيناً بأن لهذه البسطات ذات البضائع الرخيصة على الغالب، المهربة على الغالب أيضاً، زبائنها من الدراويش ومحدودي الدخل وما أكثرهم.. صحيح أن هذا الـ«تسامح» كان دائماً مدفوع الثمن على شكل «خوّات»، ولم تكن الخزينة تستفيد منه بقرشواحد، وهو ما يعرفه الجميع، إلا أن أياً من الناس، وخاصة الفقراء، لم يكن يناقش في المسألة إما لحاجته لاستمرار هذا العرف، أو ليقينه أن رأيه لن يغير شيئاً بما هو جار..

الحركة الشعبية.. القيم التقليدية في مواجهة الجديد ولمصلحته!!

تسم الدراسة المنهجية لطبيعة المرحلة التي تشهدها المنطقة العربية وسورية خصوصاً بدرجة عالية من الغنى والتعقيد.. ويعود هذا التعقيد في الدرجة الأولى إلى سماكة قشرة الظاهرة، بل وتعدد طبقاتها، الأمر الذي يفرض على الباحث عن جوهر الظاهرة، عن الحقيقة، عملية طويلة من نزع الأقنعة سواءً منها المركبة قسراً من خلال التشويش المفاهيمي المستمر، أو المتراكمة والمتكدسة كالغبار فوق ظاهرة تاريخية لا تحدث إلا مرة في كل قرن، مع أن أساسها وأسبابها تختمر وتتفاعل في السر والعلن طوال الوقت..

الحل السياسي خيار الأقوياء..

إن لجوء الأطراف المتشددة في المعارضة والنظام إلى التصعيد العسكري مؤخراً يعكس إدراكاً منها باقتراب الحل السياسي، وتحضيراً لملاقاته من جانبهم، وذلك على عكس ما يعتقده الكثيرون، وعلى عكس المنطق المبسّط الذي يفترض أن اقتراب الحل السياسي يجب أن يترافق مع تراجع العمل المسلّح، وهذا صحيح ولكن في نهاية المطاف، إذ أن معالجة المسألة بالعمق وبهذه اللحظة بالذات تفترض نقيض ما يطرحه المنطق المبسّط المذكور، فالتصعيد العسكري الأخير يهدف إلى تعزيز مواقع الأطراف المتشدّدة على طاولة «المفاوضات»، وهو الاسم الذي أطلقته تلك الأطراف على عملية الحوار، وهو الأمر الذي يعكس رفضها ورضوخها لتلك العملية في الوقت ذاته، ناهيك عن أن التصعيد يهدف أيضاً إلى إعطاء العمل المسلّح مزيداً من الوقت. وقد كان لافتاً في الأسبوع الماضي أن أياً من الطرفين المتشددّين لم يجرؤ على إعادة ترديد أسطوانة الحسم بل اقتصرا على شعار «التصعيد العسكري» وشعارات جزئية تتعلق «بتحرير أو تطهير»مناطق جغرافية محددة، وهذا بدوره يعكس فقدان الخطاب المتشدّد للمصداقية في أوساط جماهيره وأشباه جماهيره، مما اضطره إلى تقنين الوعود الطنّانة التي ما انفك يطلقها جزافاً..

الحل السياسي.. ما بين الذاتي والموضوعي

تشهد العديد من المحافظات والقرى السورية في الآونة الأخيرة تصعيداً كبيراً في مستوى العنف والاقتتال الدائر على الأرض السورية منذ ما يُقارب العشرين شهراً، وقد وجد البعض في هذا التصعيد دليلاً كافياً يشهرَهُ في وجه من دعا وما زال يدعو إلى ضرورة الانتقال نحو الحل السياسي القائم في أساسه على حوار وطني جامع ما بين قوى المجتمع السوري المختلفة. بدورنا  نتساءل: هل التصعيد في الأعمال العسكرية على الأرض هو دليل على فاعلية هذا النوع من الاقتتال؟ وبالتالي قرب موعد «الحسم العسكري»؟ وانتصار أحد أطرافه على الآخر؟؟

«صرنا نحكي سياسة!»

في سورية، ما عادت العصا بقادرة على كسب ود حاملها، لأنها لم تعد كما كانت في السابق أداة أمضى في سبيل إخضاع المنهوب لسطوة الناهب. والعصا اليوم ليست حرة في اختيار واقعها هذا، فمنطق التاريخ أثبت أنها لا تعدوكونها إحدى الرياح الذاهبة برفقة مادةٍ ثامنة لم تقوَ على البقاء مطولاً أمام حراكٍ شعبيٍ سلمي خرج في أيامه الأولى ليعلن أن المنهوبين قد ضاقوا ذرعاً من سطوة العصا على رقابهم. البعض هلّل واستبشر واعتبر دخول السوريين في حيّز النشاط السياسي هوغاية منتهى الحركة الشعبية، وبعضٌ آخر ذهب في حماسته العالية حدَّ اعتبار هذا الدخول هوثورة مكتملة الفصول وناجزة..

وجهة نظر... على أبواب المرحلة الانتقالية الثانية..!

على الرغم من أنه حدثت تغيرات مهمة نسبياً منذ انطلاق الحركة الشعبية العفوية، التي هي أعظم ما قدمه الشعب السوري في العقود الخمسة الماضية والتي لها أسبابها الموضوعية الداخلية من تراكمات القمع والفساد والنهب والتهميش ولها مطالبها المشروعة في الحرية والعدالة والتغيير الديمقراطي.. وأدخلت سورية في مرحلةٍ من النشاط السياسي العالي المستوى يشارك فيه الشعب السوري من الطفل الصغير إلى الشيخ الكبير، لكن الكثيرين لا يرون هذه التغيرات والبعض يتجاهلها عن عمدٍ. والفضل الكبير في تحقيق هذه التغيرات هو تضحياتها الكبيرة. وأدخلتنا في مرحلةٍ جديدة.. لذا لا يحقّ لأحدٍ أن يتكلم باسمها أو يدعي تمثيلها أو يتجاهلها وهي ستفرز قادتها وممثليها الميدانيين..