تغيير الشكل أم تغيير المضمون؟
لا مكان لما يسمى«أخطاء فردية» فيما يجري في سورية اليوم، فالكل يرتكب حماقات وأخطاء قاتلة تودي بالبلاد إلى الهلاك المحتم. لم يعد القتل والاعتقال والقصف والتشبيح حكراً على النظام فقط، بل غدت تلك سياسة أجزاء من المعارضة أيضاً، فالـ«الثورة» التي بدأت بشعارات الحرية والديمقراطية، صابةً جام غضبها على سياسة الحزب الأوحد، يحاول بعضهم تحويلها إلى تغيير الحزب الواحد الى حزب آخر لاأكثر ولا أقل، حيث لا مكان للآخر مرة أخرى، ولا تغيير في جوهر النظام، ليبقى الجوهر، ولكن بوجه جديد..
الكثيرون ممن وضعوا أنفسهم موضع الشعب المقموع، يأخذون اليوم دور القامع. وهذه حال جزء كبير من المعارضة السورية التي تتحرك ضمن هذه العقلية، لنجدها كأنما تقف أمام مرآة تنعكس فيها صورة النظام ذاته. محافظةً على التناقضات الرئيسية كالسياسي، والأساسية كالاقتصادي-الاجتماعي، كما هي دون حل، على حساب إبراز التناقض الثانوي الذي يركّز على انتقال السلطة من ثلّة إلى أخرى..
السادة والعبيد..
الذي كان «عبداً» يسعى اليوم ليصبح «سيداً» وليجعل من الاخرين عبيداً، ناسياً أو متناسياً أن جذر المشكلة يكمن في ثنائية «العبد-السيد»..
كان لافتاً غياب البرامج الاقتصادية-الاجتماعية لدى قوى المعارضة المتكئة على التدخل الخارجي، والتي تقدم نفسها كممثل وحيد للشعب السوري، فتصور لنا أنه بمجرد إسقاط رأس النظام ستفتح لنا أبواب النعيم الأزلي، هي البديل فقط لا غير، فالديمقراطية بالنسبة لها هي انتقال السلطة إليها دوناً عن غيرها، وبمعزل عن رأي الشعب وصندوق الاقتراع. بما يؤكد أن حقيقة هذا الأمر هو تغييبٌ مقصودٌ لتلك البرامج، والذي يبدو في أحسن الأحوال إفلاساً وعجزاً من جانب هذه القوى المعارضة. إلا أنه في الحقيقة يحمل ما هو أخطر، بمعنى الإبقاء على منظومة الفساد والنهب والتوزيع غير العادل للثروة، ليتقاسم الفاسدون الجدد غنائم هذا «التغيير»..
إن الأعداء الطبقيين للشعب السوري يتمركزون في أجزاء من النظام ومن المعارضة، فالانقسام الحاصل في سورية هو انقسام عمودي. للنظام فاسديه وجلاديه وللمعارضة مثلهم، ويبقى الشعب، مؤيداً كان أم معارضاً، محكوماً بسلطة الناهبين الذين يتنازعون على الكرسي تاركين له طوابير الخبز والغاز.
يتضح من النموذج المقدم في بعض المناطق السورية التي دخلت تحت سيطرة مسلحي المعارضة، أن «النظام» بمعنى القمع والنهب والمحسوبيات لايزال قائماً، حتى لو تبدل الحاكم. حيث أنها قدمت مثالاً أسوأ من سابقه، فلا مكان لمن يخالف الحاكم الجديد بالرأي تحت حجة «الثورة»، كما كان الاختلاف ممنوعاً في السابق تحت حجة «المؤامرة». لتبدأ عمليات الاعتقال والاعدامات الميدانية لمن يشتبه به بأنه مختلف معهم بالرأي، أو ربما في بعض الحالات بما يتعلق بالطائفة.
«الردّة» وطنياً..
إن للشعب السوري تاريخياً مواقفه الوطنية الثابتة تجاه القضية الفلسطينية والجولان المحتل، فالمقاومة هي النهج الذي اختاره الشعب، ولا مكان لأي نظام يخالف هذا النهج. لذا ترى النظام لم يغامر بهذه الورقة حتى الآن فهي بمثابة أساسٍ لشعبيته وضامنٍ لوجوده، هذا إذا تجاهلنا تثاقله عن إيجاد أشكال نضالية جديدة بالتعاون مع الشعب السوري لتحرير الأراضي المحتلّة، وعلى رأس تلك الأشكال المقاومة الشعبية الشاملة. أما وفي قراءة سريعة لمواقف قوى المعارضة آنفة الذكر تجاه المسألة الوطنية، نجد تراجعاً ورِدّة عن الموقف الوطني للشعب السوري، فأضعف الإيمان نراها تسعى بكل جهدها لاستجداء التدخل الخارجي بأي شكل كان، ثمّ زادوا على ذلك حديثهم المكرور عن استعادة الجولان المحتلّ بالتفاوض فقط، ووعدوا الغرب بتصفية تحالفات سورية التاريخية مع محور المقاومة في المنطقة. وبذلك فرّطوا بقضيّةٍ كانت ملكا للشعب السوري طوال الوقت قبل أن تكون خيارا لأي نظام قد يذهب أو يجيء..
ما يهم السوريين هو تغيير جوهر النظام، وبنيته، وجوهر تغيير اي نظام هو طريقة توزيع الثروة، والخيرات المادية على الشعب، والسلطة المعبره عن ذلك، والثورات لاتقوم حتى تبدل سلطة بسلطة فقط بل واقتصار الامر على ذلك هوصراع على الثروة، وصراع على السلطة.
ومن هنا فإن أي تغيير يجب أن يعبر عن مصالح أغلبية المجتمع، والتي هي في اي نظام رأسمالي جماهير الشغيلة والمنتجين، وكل ما هو عدا ذلك هو تشويه لطبيعة الحركة الشعبية وأهدافها وغايتها.