زهير مشعان زهير مشعان

وجهة نظر... على أبواب المرحلة الانتقالية الثانية..!

على الرغم من أنه حدثت تغيرات مهمة نسبياً منذ انطلاق الحركة الشعبية العفوية، التي هي أعظم ما قدمه الشعب السوري في العقود الخمسة الماضية والتي لها أسبابها الموضوعية الداخلية من تراكمات القمع والفساد والنهب والتهميش ولها مطالبها المشروعة في الحرية والعدالة والتغيير الديمقراطي.. وأدخلت سورية في مرحلةٍ من النشاط السياسي العالي المستوى يشارك فيه الشعب السوري من الطفل الصغير إلى الشيخ الكبير، لكن الكثيرين لا يرون هذه التغيرات والبعض يتجاهلها عن عمدٍ. والفضل الكبير في تحقيق هذه التغيرات هو تضحياتها الكبيرة. وأدخلتنا في مرحلةٍ جديدة.. لذا لا يحقّ لأحدٍ أن يتكلم باسمها أو يدعي تمثيلها أو يتجاهلها وهي ستفرز قادتها وممثليها الميدانيين..

 

ومن أهم تغيرات المرحلة السابقة هو صدور الدستور القديم الجديد (المخضرم) وإلغاء المادة 8 المتعلقة بإلغاء هيمنة الحزب الواحد، حزب البعث الذي يقود المجتمع والدولة، وكذلك تثبيت كثيرٍ من المبادئ المتعلقة بالاقتصاد والتنمية ومنها قضية التوجه شرقاً وما يتعلق بمعيشة المواطن وكرامته وكرامة الوطن من حقوق العمل والعلم والصحة.. لكن على الرغم من كل ذلك لم يرتق إلى طموحات الشعب السوري السياسية في الحرية والمشاركة الديمقراطية الحقيقية. المادة 3 المتعلقة بدين رئيس الجمهورية والتي تتنافى مع مواد أخرى في الدستور تؤكد مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات..ناهيك أن آليات التنفيذ وتفعيل الدستور بقيت كما هي، ومنها قانون الانتخاب المفصل على قياس قوى الهيمنة والقمع والفساد وقوى المال التي ما تزال تمارس نفوذها في منع التغيير أو عرقلته  كما أن الكثير من القوى السياسية رفضت الانخراط  فيها لقصورٍ معرفيٍ وعجزٍ سياسيٍ وبعدٍ عن الواقع.. ومن دخل الحكومة التوافقية من المعارضة الداخلية كالجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، يعاني من عرقلة قوى القمع والفساد لجهودهم، كما اتهم بأنه موالاة وأنه هو الذي أعاق سقوط النظام ومع ذلك بقوا مصرين على معارضتهم ووقوفهم إلى جانب وحدة الشعب ووقف نزيف الدم ومنع تفتيت الوطن..

وإذا تمعنا قليلاً يمكننا القول إنه على الرغم من كل ذلك فإننا كنّا في مرحلةٍ انتقالية أولى.. وإننا الآن دخلنا طوراً جديداً لمرحلةٍ انتقاليةٍ ثانية نضجت موضوعياً بسبب تغير الظرف الدولي وإصرار الشعوب الصديقة على الحل السياسي ورفض التدخل الخارجي.  وخطورة تصاعد القمع والعنف والتطرف، مما دفع بعض قوى المعارضة الداخلية لإعادة النظر في مواقفها، وأهمها موافقتها على الحل السياسي والحوار فما هو المطلوب من المرحلة الانتقالية القادمة..؟

بالطبع ليس من المتوقع أن يتم إنهاء الأزمة لأن قوى العطالة للأطراف المتشددة ستبقى تفعل فعلها لكن كلما تقدمنا خطوة صحيحة باتجاه الحل ستجبر القوى المعرقلة للتراجع وكلما تسارع التقدم تسارع التراجع.. وأولى موجبات المرحلة الانتقالية القادمة تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية من القوى السياسية الفاعلة، وأهمها الأطراف المؤثرة على الأرض ومنها الحركة الشعبية السلمية، وهذه الحكومة ذات صلاحيات حقيقية، وأول مهامها الفورية:

معالجة ملفات المعتقلين واللاجئين والمهجرين والمتضررين والشهداء، وذلك بالإفراج الفوري عن عشرات الآلاف من المعتقلين،وتقديم كل ما يلزم لعودة اللاجئين والمهجرين والتعويض ما أمكن عن المتضررين واعتبار من سقط قتيلاً هو شهيد للوطن ولأسرته كل الحقوق المعنوية والمادية..

 وضع حدود وضوابط لدور القوى الأمنية القمعية تحدد مهامها وتمنع تجاوزاتها وممارساتها السابقة وإلغاء المحاكم الميدانية وقانون مكافحة الإرهاب..

ضرب مواقع قوى القمع والفساد الكبير لمنع عرقلة الحل السياسي، ولتوفير موارد للتعويضات ولإعادة تهيئة البنية التحتية وتأمين حاجات المواطنين المعيشية..

السماح بالتظاهر السلمي فهو الضامن لاستمرار تحقيق التغيير الجذري والشامل،وإلغاء ما يعيقه وحمايته من قبل وزارة الداخلية والجيش..

إطلاق حوار ديمقراطي (علني) وشامل على جميع المستويات الشعبية والسياسية دون وصايةٍ من أحد..

تشكيل لجان أهلية مؤقتة تساعد في إدارة المناطق والمدن والبلدات تكون نواة لمشاركة شعبية حقيقية..

وضع قانون انتخابات جديد يعتمد النسبية ويسمح بالمشاركة على أساس الانتماء للوطن والشعب فقط، وإجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية ومحلية ونقابية تعددية وشفافة وضمان عدم تزويرها..

وضع سياسات اقتصادية اجتماعية وفق توجهات الدستور تحقق العدالة الاجتماعية..

تطبيق ما أقره الدستور في الحقوق الثقافية والإدارية والمحافظة على التنوع الفسيفسائي للمجتمع السوري على أساس المواطنة..

تشكيل لجنة لتعديل الدستور وخاصةً ما يتعلق بتحديد صلاحيات ومدة الرئاسة ودين الرئيس ودور الحكومة واستقلالية القضاء وسيادة القانون، وطرحه للاستفتاء بشكل عام، وبشكل فردي للمواد الرئيسة ..

إعادة هيكلة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة،بحيث يكون إعلاماً وطنياً دون هيمنة شفّافاً ومنفتحا على القوى السياسية والمواطنين وفسح المجال لمناقشة كل ما يتعلق بمصلحة الشعب والوطن، ويعزز الوحدة الوطنية..

تطوير دور الجيش الوطني السوري وتعزيز وحدته، للقيام بدوره الحقيقي والتاريخي في حماية الوطن وتحرير الأراضي العربية المحتلة. وعلى رأسها الجولان ولواء اسكندرون وفلسطين..

التهيئة لانتخابات رئاسية تعددية وفق الدستور الجديد وقانون الانتخابات الجديد..

لا شكّ أنها مهام ليست سهلة وتحتاج لجهود جماعية وروحٍ وطنية عالية لكنها ليست مستحيلة وستضع الأسس لتحقيق المصالحة الوطنية ولإعادة بناء سورية التعددية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية،واستعادة دورها التاريخي في المنطقة والعالم وهي تتوافق مع تطلعات الشعب السوري العظيم ذي التاريخ العريق والحضارة وتحقق كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار..