الأزمات.. واقتصاد البسطات
اعتاد المواطنون السوريون أن يروا مستوى عال من «تسامح» أصحاب الأمر والنهي مع أصحاب البسطات والعربات في أوقات الأعياد، وكانوا يقبلون بذلك ويتمنون استمراره ولا يستهجنونه أبداً، انطلاقاً من بعض القيم الاجتماعية السائدة، والتي يدعو معظمها إلى ضرورة«جبر الخواطر»، أو يقيناً بأن لهذه البسطات ذات البضائع الرخيصة على الغالب، المهربة على الغالب أيضاً، زبائنها من الدراويش ومحدودي الدخل وما أكثرهم.. صحيح أن هذا الـ«تسامح» كان دائماً مدفوع الثمن على شكل «خوّات»، ولم تكن الخزينة تستفيد منه بقرشواحد، وهو ما يعرفه الجميع، إلا أن أياً من الناس، وخاصة الفقراء، لم يكن يناقش في المسألة إما لحاجته لاستمرار هذا العرف، أو ليقينه أن رأيه لن يغير شيئاً بما هو جار..
في هذا الإطار، لم يكن إشغال رصيف لفترة محدودة يستفز أحداً، ولم يكن قطع طريق بشكل شبه كامل يحدث مشكلة.. فالعيد سيعبر وينتهي الأمر الناشز اليوم أو غداً، وصلى الله وبارك..
اليوم، في غمرة الحركة الشعبية الجارية في البلاد، لم يعد ثمة أرصفة لعبور الناس في معظم الأسواق، بل إنه في بعض الشوارع لم يعد ثمة متسع حتى لعبور السيارات إلا بصعوبة (الجسر الأبيض مثالاً).. بسبب الانتشار الهائل للبسطات والعربات والباعة المتجولين منذ أولالنهار وحتى لحظة إغلاق الأسواق.. ولم يتفضل أيّ من المسؤولين ليقول أية كلمة بهذا الخصوص، ولم تقم حتى الآن أية دورية من أية جهة بأي إجراء لفتح الطرقات والأرصفة أمام العابرين، الراجلين والراكبين، فيما الجميع، الخبثاء والبسطاء، يتهامسون ويتندّرون حولالسبب العميق لفسح المجال أمام هذه الفوضى العارمة!.
وإذا كان مفهوماً بالنسبة للناس إتاحة الفرصة لإخوتهم في المواطنة ليترزّقوا ويتسوقوا وينفّسوا من احتقانهم الشديد بهذه الطريقة، وليس بأشكال أخرى (؟) أكثر حدّة، فما هو المبرر أن تتاح الفرصة ذاتها للصينيين والأندونسيين والروس والكازاخ وغيرهم... ليستفيدوا منهذا العرض المجاني العشوائي؟
يقول أحد الخبثاء الظرفاء: «والله يا شباب الخوف يقطع الجوف».. ويقول آخر أقل ظرفاً وأكثر خبثاً: «وأخيراً فهموا أن الله حق!».. ويقول ثالث أكثر ظرفاً وأقل خبثاً: «أول الرقص حنجلة.. الله ينجّينا من الآت».. أما العاقل غير الخبيث وغير الظريف، والذي لا ينصت إليهأحد في هذه «العجقة» فيقول وسط الضجيج: «أهذه هي الحلول التي يعتقد البعض أنه إذا قدمها للمجتمع ستنتهي الأزمة؟ يا لهذه المحدودية في التفكير والتنفيذ»!!