محمد ذياب محمد ذياب

الحل السياسي خيار الأقوياء..

إن لجوء الأطراف المتشددة في المعارضة والنظام إلى التصعيد العسكري مؤخراً يعكس إدراكاً منها باقتراب الحل السياسي، وتحضيراً لملاقاته من جانبهم، وذلك على عكس ما يعتقده الكثيرون، وعلى عكس المنطق المبسّط الذي يفترض أن اقتراب الحل السياسي يجب أن يترافق مع تراجع العمل المسلّح، وهذا صحيح ولكن في نهاية المطاف، إذ أن معالجة المسألة بالعمق وبهذه اللحظة بالذات تفترض نقيض ما يطرحه المنطق المبسّط المذكور، فالتصعيد العسكري الأخير يهدف إلى تعزيز مواقع الأطراف المتشدّدة على طاولة «المفاوضات»، وهو الاسم الذي أطلقته تلك الأطراف على عملية الحوار، وهو الأمر الذي يعكس رفضها ورضوخها لتلك العملية في الوقت ذاته، ناهيك عن أن التصعيد يهدف أيضاً إلى إعطاء العمل المسلّح مزيداً من الوقت. وقد كان لافتاً في الأسبوع الماضي أن أياً من الطرفين المتشددّين لم يجرؤ على إعادة ترديد أسطوانة الحسم بل اقتصرا على شعار «التصعيد العسكري» وشعارات جزئية تتعلق «بتحرير أو تطهير»مناطق جغرافية محددة، وهذا بدوره يعكس فقدان الخطاب المتشدّد للمصداقية في أوساط جماهيره وأشباه جماهيره، مما اضطره إلى تقنين الوعود الطنّانة التي ما انفك يطلقها جزافاً..

إذا عدنا إلى بداية انفجار الأزمة، أي إلى بداية ظهور الحركة الشعبية السلمية بمطالبها الأولى، نجد أن تلك الحركة كانت أقرب في حينه إلى صياغة المطالب السياسية والاقتصادية- الاجتماعية التي من شأنها، في حال تمّ تلبيتها، أن تؤمن خروجاً سريعاً وآمناً من الأزمة. إلا أن العنف الذي قوبلت به الحركة الشعبية السلمية، ومحاولة أطراف وقوى سياسية معارضة، مشبوهة وطنياً، ركوب موجة الحراك الشعبي ومغازلة جراحه من خلال الدعوة للعنف المضاد، منعا تنفيذ أية مطالب للحراك الشعبي السلمي، ومنعا الخروج الآمن من الأزمة. فالعنف والعنف المضاد من جانب قوى التشدّد في الطرفين سعيا إلى تقويض الحل السياسي منذ البداية ووأده، بقصد أو بغير قصد، وذلك من حيث هو الأقرب إلى مصلحة الحركة الشعبية السلمية ومن حيث كان يقارب تطلعات الجماهير ومظالمها.

وعلى الرغم من هيمنة الصراع المسلح خلال الفترة الماضية، لم يستطع أي من الطرفين أن يحسم الصراع لمصلحته، وذلك لسبب بسيط هو أنه عسكرياً كان ينفذ شيئاً مختلفاً عن إجراءات الخروج الآمن للأزمة، وبالتالي لم ولن يتحقق الخروج من الأزمة أياً كان النصر العسكري المحقق لأيٍ من الطرفين. فالنصر العسكري لا يعالج سبب الأزمة بل ربما يتناول نتائجها فقط، فهو من جانب النظام لن يحسم لأن الأزمة ليست مجرد مؤامرة، وهو من جانب المعارضة المسلّحة لن يحسم أيضاً لأن الأزمة ليست مجرد ثورة.

الأزمة مزيج من هذا وذاك، ولأنها تشكل هذا المزيج فهي بحاجة إلى حل سياسي، وقد صاغ الناس مبدئياً مفردات هذا الحل في بداية انفجار الأزمة من خلال مطالبهم الجزئية والمبعثرة التي كانت تتركز حول الحريات السياسية والواقع الاقتصادي- الاجتماعي، ودعم السياسات الوطنية الخارجية لسورية.

لقد كان ومازال الحل السياسي يمثّل المعارضة والموالاة على المستوى الشعبي اللتين لم تتورطا بالعنف، والقوى السياسية الوطنية في المعارضة والنظام، وهؤلاء يمثلون غالبية الشعب السوري وقواه الأساسية. ومن ناحية أخرى يتناقض الحل السياسي مع مصالح قوى الفساد داخل النظام، وقوى التشدد المرتبطة بالخارج في المعارضة، اللتين لا تجيدان سوى الركوب على موجة العنف للحفاظ على مواقعهما.

إن الحل السياسي هو برنامج للتغير الشامل والجذري على المستوى السياسي والاقتصادي- الاجتماعي، على عكس ما تظهره القوى المعادية له بأنه خيار للمستسلمين وتراجع عن الحقوق، لذا سيحقق ما عجزت الحرب عن تحقيقه، من هنا هو يشكل خياراً للأقوياء.. 

آخر تعديل على الخميس, 26 أيار 2016 15:13