مذكرات مخبر عتيق (4)
تحدثت في العدد السابق عن افتتاح المؤتمر، وبدء أعماله بإقرار جدول الأعمال المؤلف من عدة موضوعات، وهي كما قال الأمين العام لإتحاد المرتشين:
تحدثت في العدد السابق عن افتتاح المؤتمر، وبدء أعماله بإقرار جدول الأعمال المؤلف من عدة موضوعات، وهي كما قال الأمين العام لإتحاد المرتشين:
يخرج من بيته مستاءً.. يمشي بخطىً سريعة في الأزقة الضيقة المنتهية إلى الشارع العام. يقف بانتظار السرفيس. تعود كلمات زوجته إلى الذاكرة قاسية موجعة.... «شو بدي بكل هالحكي... معك قرش بتسوى قرش»... يتحسس جيوبه الفارغة... يعني أنا بنظر حرمنا المصون ما بسوى شي؟! الله يرحم أيام زمان... أيام الخطوبة وما قبلها، يوم كان وجودي يغنيها عن الدنيا وما فيها..
«فاتورة للرسوم الكهربائية» هي البديل الحقيقي لكلمة فاتورة الاستهلاك الكهربائي، لأن رسومها تفوق عند الشريحة الغالبة من الشعب السوري حجم الاستهلاك لكثرة ما تحمل من رسوم وضرائب، وقد يعتبرها البعض «قليلة، وليست ذات قيمة»، إلا أنها على المستوى الكلي تعني المليارات، أما على المستوى الفردي فهي تعني الكثير لمن لا يملكها وخصوصاً من هم ضمن وتحت خط الفقر، وهؤلاء ليسوا بالقلائل، فـ«الجمل بقرش وما في قرش»... هذه هي حال السوريين..
زيادة الرواتب وكذلك تخفيض سعر المازوت بنسبة 25%، جاءا استجابة لمطالب شعبية طالما انتظرها السوريون، لما يتركانه من أثر إيجابي على الاقتصاد الوطني وعلى المستوى المعيشي للسوريين عموماً، والذي لم يتلمس السوريون إلا جزءاً منه حتى الآن، إلا أن سهام النقد بدأت تصوب من جانب البعض مدعية عدم صوابية هذين القرارين، وخاصة ضمن أوساط الفريق الاقتصادي لحكومة العطري المقالة ومستشاريها الاقتصاديين، مبشرين بانهيار اقتصادي لعدم توفر الفوائض المالية الكفيلة بتغطية هذين القرارين، ومعتبرين أن لجوء الحكومة للاستدانة مؤقتاً من المصرف المركزي ما يقارب 50 مليار ليرة، وبالتالي اعتماد التمويل بالعجز، ما هو إلا خطوة على هذا الطريق. وفات هؤلاء البحث عن الموارد الخفية غير المُستغَلة التي نملكها، ولم يعبؤوا بالمردود الإيجابي لهذا القرار على المؤشر الكلي للاقتصاد السوري وقدرته على رد تكاليف هذين القرارين أضعافاً مضاعفة!..
تتضاعف البسطات اليوم فارشة الأرصفة السورية.. ووتتضاعف معها أعداد روادها ومستهلكيها، وتقل كثيراً الحركة القليلة أصلاً لزوار الأسواق الكبرى بوكالاتها ومولاتها ومحالها الصغرى.. تتعطل في حركة واسعة نسبياً قطاعات بكاملها فاتحة على تعطيلات واسعة أخرى.. يتذمر التجار والصناعيون والمستهلكون.. وكذلك أصحاب الودائع الكبرى، المستثمرون، ورواد المصارف..
الكل يرى الشلل ويعرف العلل، على الرغم من المحاولات لطمس معالم التدهور، إلا أن سير الأمور الحالي يوضح معالم الانكماش الاقتصادي الواسع، المترافق مع تضخم كبير في الأسعار، وتدهور قيمة الليرة السورية كمؤشر لهذا وذاك. تأتي ضرورة البحث في المؤشرات من مدى عمق تعلقها بمآل الحراك السياسي في سورية ودور الوضع الاقتصادي المفصلي في تكون التحالفات والاصطفافات.
جرمانا، البلدة المدينة، ترزح مثل غيرها، تحت الكثير من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والخدمية.
الفروج السوري، هذه المادة الاستهلاكية التي يعتمد عليها غذاء المواطن السوري بشكل كبير، ويُحسد على توفرها وخلوها من الأمراض من جيرانه الأقربين والأبعدين، رغم غلاء سعرها مقارنة برواتب ذوي الدخل المحدود، لا أحد يعلم أسباب ارتفاع سعرها أو انخفاضه بين الحين والآخر، وخصوصاً هذه الأيام حيث انخفض سعرها في المداجن للحدود الدنيا، بينما ظلت أسعارها المشوية والمقلية تحرق الناس بلهيبها!..
الأسعار ترتفع بشكل غير مسبوق ضاربة بقسوة مستوى معيشة السواد الأعظم من الناس... الذين كانوا يتحملون بصمت شظف العيش وبدؤوا الآن بالتعبير عن استيائهم بشكل أوضح فأوضح، لا لشيء بل لأنهم لا يرون نهاية لهذا المسلسل المستمر في وقت تتنامى فيه ثروات البعض بشكل استفزازي لم يسبق له نظير... والحال هذه ترمي بثقلها على الأوضاع النفسية والمعنوية لجماهير الكادحين، بشكل يُمكّن من القول: إن إرهاق المجتمع نتيجة الأوضاع الاقتصادية ـ الاجتماعية سيبلغ قريباً، إذا لم يعالج، حداً خطيراً لا يبشر بخير...
مزيد من العمل؟
اعملوا أكثر كي تكسبوا أكثر! لقد أصدر رئيس الجمهورية الفرنسية الأمر وأخذت الحكومة تنفذه بنشاط، فقدمت اقتراحاً بالتراجع عن تقليص زمن العمل والعودة إلى نظام 39 ساعة عمل أسبوعياً حيثما تستطيع الشركات، وجعل المسنين يعملون أكثر، وفرض «نشاطات» على الحاصلين على الحد الأدنى للأجور والعاطلين عن العمل، وتقديم المراهقين للشركات كمتدربين... مزيد من العمل، مزيد من العمل... كما لو أنّه لم يكن هنالك منذ سنوات ملايين «المحرومين من العمل» وآلاف يقومون بعمل جزئي ممن يقومون بنوع من «عمل أقل!».
ينعقد المؤتمر (25) لاتحاد العمال في سورية في ظروف سياسية واقتصادية معقدة وصعبة وفي ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها البلاد من عدوٍ خارجي يتربص بنا من خلال مشاريع يراد مها تقسيم المنطقة عبر مقولة سيدة البيت الأبيض الفوضى الخلاقة، متمثلة بثنائيات وهمية يراد منها ضرب كل مواقع المقاومة الوطنية في المنطقة وتحقيق أهداف الديناصور الأمريكي والسيطرة على المنطقة وإركاع شعوبها.