مزيد من العمل... كي يكسب الأغنياء مزيداً من المال! إعادة قراءة ماركسية للأجور والأسعار والأرباح

مزيد من العمل؟

اعملوا أكثر كي تكسبوا أكثر! لقد أصدر رئيس الجمهورية الفرنسية الأمر وأخذت الحكومة تنفذه بنشاط، فقدمت اقتراحاً بالتراجع عن تقليص زمن العمل والعودة إلى نظام 39 ساعة عمل أسبوعياً حيثما تستطيع الشركات، وجعل المسنين يعملون أكثر، وفرض «نشاطات» على الحاصلين على الحد الأدنى للأجور والعاطلين عن العمل، وتقديم المراهقين للشركات كمتدربين... مزيد من العمل، مزيد من العمل... كما لو أنّه لم يكن هنالك منذ سنوات ملايين «المحرومين من العمل» وآلاف يقومون بعمل جزئي ممن يقومون بنوع من «عمل أقل!».

لكن من سيكسب أكثر؟ أولئك الذين يعملون أكثر؟

بالتجربة، الأشخاص الأكثر ثراءً هم دائماً أولئك الذين يكسبون أكثر! منذ ثلاثين عاماً تعدل فيها الحكومات المتتالية قانون العمل، يزداد باستمرار عمل الملايين أصحاب الأجر المحدود وسرعة هذا العمل وقسوته. أولئك الذين تمكنوا من الاستفادة من 35 ساعة عمل أسبوعياً دفعوا في كثير من الأحيان ثمن ذلك الأمر مرونةً أكبر ونقصاً في الأجور مقارنة بارتفاع سعر المواد الأساسية، ولاسيما بعد الانتقال إلى اليورو.

لقد تعزز التفاوت وأصبح فرزاً اجتماعياً حقيقياً يتضمن فئات ميسورة رابحة، لديها سيارات ومساكن فاخرة وخدم يقدمون «خدمات شخصية»، تفرض أساليب حياتها واستهلاكها بوصفها «الحداثة»، التي يمثل ساركوزي مثالاً لها، مدعواً إلى يخت صديقه الملياردير ومانحاً نفسه علاوةً بنسبة 140 بالمائة، أو تلك التي يختصر نقدها في المنتديات البديلة في ضواحي المدن الكبيرة...

منذ ثلاثين عاماً، لم يعد من يكسبون المزيد من المال هم من يعملون أكثر! بل على العكس، فالأكثر ثراءً يستفيدون من القوانين المتعاقبة التي تحابي المستثمرين والمضاربين... كافة أولئك الذين دللتهم أولى إجراءات ساركوزي بمليارات الهدايا الضريبية.

بالتجربة، لا تكفي الرغبة في العمل لإيجاد عمل! مزيد من العمل، لكن أين؟ لا تقوم شركةٌ بتقديم فرص عمل ما لم تكن تحتاج إليها، ولا تقوم بساعات عمل إضافية ما لم يكن لديها عمل! وحتى إذا كان الأجر منخفضاً جداً، حتى إذا كانت الدولة تأخذ على عاتقها الإعانات الاجتماعية، أو كانت تدعم الأجور، فأرباب العمل لا يقومون بتقديم فرص عمل إلا حين تفرضها عليهم الحاجة الماسة! في المقابل، فهم أبطال في إلغاء الوظائف وفي الاستفادة من الأنظمة الحكومية القاضية بتخفيض كلفة العمل، قبل التقاعد، والبطالة التقنية، وعدم التثبيت، والدخل الأدنى للنشاط.

الأسوأ هو أنّ الرأسمالية لم تعد تحتاج للاستثمار في تنمية المجتمع. فبعد أن تخلصت من المنافسة التي كان يمثلها الاتحاد السوفييتي وبلدان الشرق، أشاحت بوجهها عن الحاجات الاجتماعية لتحصل على المال السهل في النفقات العسكرية وحاجات الرفاهية لبرجوازية وقحة أو تسليع كافة الممارسات الاجتماعية والثقافية، وجعلت كون ربع العالم في فقر مدقع يصبح المعيار في الأحياء الشعبية الغربية، مفقرةً جزءاً متزايداً من الفئات الوسطى مثلما يبرهن عليه وجود مليون عائلة أمريكية رمتها أزمة نقص العلاوات في الشارع.

لكن هل يمكن حقاً كسب مزيد من المال بمزيد من العمل دون أن يتعرض المرء للغدر؟

مزيد من العمل؟ لم لا، إذا كان ذلك يسمح حقاً بمزيد من الكسب! لكن من يقرر الأجور، وكيف؟ هل ترفع الشركات الأجور حين تستطيع أم حين ترغم على ذلك؟ لقد اشتهر زعيم ألماني قديم بنظريته القائلة: «أرباح اليوم هي استثمارات الغد ووظائف ما بعد غد». لكن ما نلاحظه هو العكس تماماً. منذ ذلك الحين، مثلت حصة الأرباح 10 بالمائة من الثروة التي تنتجها الأجور (180 مليار يورو سنوياً)، وعلى الرغم من ذلك فالاستثمارات لا تزيد، والبطالة لا تزال تنخر المجتمع! تستثمر الرأسمالية مليارات في الصين والهند وبلدان الشرق، لكن بأية شروط هي مستعدة للاستثمار في فرنسا؟ بأية أجور؟

تحليل كارل ماركس حول مطالبات الأجر

منذ أكثر من قرن، دعا القادة النقابيون الإنكليز العمالَ لعدم النضال من أجل زيادة الأجور لأنّ التضخم سوف يستولي على الزيادات في كل الأحوال. كتب ماركس حينذاك نصاً ليبرهن على أنّ الأثر الوحيد لزيادة عامة في الأجور هو، على عكس ذلك، إعادة التوازن بين الأجور والأرباح وانتقال الاستثمارات إلى قطاعات مفيدة للحاجات الاجتماعية. لماذا؟ لأنّ «القيمة التبادلية» لسلعة ما، لا يحددها السوق أساساً بل كلفة الإنتاج! والعمل، بوصفه سلعةً في النظام الرأسمالي، كلفة العمل، وبالتالي الأجر، لا يحددها سوق العمل، بل كلفة إعادة تشكيل قوة العمل. بكلمات أخرى، لا يكفي استجلاب آلاف المهاجرين لتدفع لهم أجورٌ أقل إذا أخذ هؤلاء المهاجرون يعيشون نفس الشروط التي يعيشها بقية العاملين، فيذهبون إلى نفس المدارس والمستشفيات والمتاجر الكبيرة! فحينذاك، سوف تزيد أجورهم!

في الواقع، الأجر هو دائماً انعكاس لعلاقة القوى بين رأس المال والعمل... أياً كان مستوى الربح، وستحاول الرأسمالية دائماً خفض الأجور! ومن مصلحة العاملين دائماً النضال من أجل زيادة الأجور! هذا لا يزيد الأسعار، بل يخفض كتلة المال المحروق في «المؤونة» المالي والرفاهية!

إذن، مزيد من العمل لمزيد من الأجور؟

إذا عمل المرء أكثر دون زيادة أجر الساعة، هل ستؤدي هذه الزيادة في الأجر إلى زيادة قدرته الشرائية؟ إذا ما تبعنا منطق ماركس، إطلاقاً! فحين نعمل أكثر، سوف تزيد الشركة أرباحها. وهذا سوف يجتذب الممولين كي يزيدوا إيرادهم، كي يستثمروا المزيد في الأسواق السهلة، كي يبتعدوا أكثر من تلبية الحاجات الاجتماعية... في نهاية المطاف، سوف يزيد هذا العمل الإضافي الأرباح والإيرادات ويجثم أكثر على حصة الأجور في الناتج المحلي الإجمالي! سرعان ما سيلتهم تضخم سعر الحاجات الضرورية الساعات الإضافية القليلة مدفوعة الأجر في حين تسيل الأموال في المؤونة المالية، وحرائق البورصة، واستهلاك الرفاهية! باختصار، حين يعمل شخصٌ محدود الأجر أكثر بنفس أجر الساعة، ستزداد الأرباح، وبالتالي يصبح رأس المال أقوى كي ينقص القوة الشرائية أكثر!

ما يقترحه علينا ساركوزي شديد البساطة...اعملوا أكثر كي تزداد أرباح الأغنياء!

ينبغي أن يكون رد العاملين بأجر في كل مكان النضال لزيادة الأجور وتقليص زمن العمل وتقديم فرص العمل، وهذا يعني استعادة مبلغ 180 مليار تسرقه الشركات كل عام من الأجور منذ السبعينات، ودفع رأس المال إلى الاستثمار لصالح الحاجات الاجتماعية، لصالح تطوير المجتمع!

لكن كي يكون ذلك ممكناً، ينبغي أن نواجه دون وجل وسائل الإعلام والخطابات المسيطرة، وتبديد وهم «التوافق» الممكن مع ساركوزي، والمفاوضات التي ربما تصب خارج النضال. وحده «حصار» النظام يمكن أن يدفع البرجوازية إلى التنازل! وهو لا يتجلى في التصريحات الإعلامية الكبيرة، بل في بناء التجربة النضالية للتجمع الشعبي ودائماً من وجهة النظر الشيوعية!

■ ترجمة قاسيون

آخر تعديل على السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2016 21:57