افتتاحية قاسيون 1142:م كيف يكون «التوجه شرقاً» حقيقياً؟
يبرز، بين الحين والآخر، شعار «التوجه شرقاً»، على المستوى الرسمي وشبه الرسمي السوري. ويجري بشكلٍ مؤقتٍ تسليط ضوءٍ إعلامي كثيف عليه: مقالات وتحليلات ونقاشات إعلامية وتصريحات وإلخ، ثم لا يلبث أن يختفي تماماً.
ولكنْ في كل الأحوال، سواء وقت اختفائه أو وقت ظهوره، فإنّه لم يتعد بعد كونه خبراً إعلامياً، وحبراً على ورق. بل وفي الحقيقة، إنه لم يصل بعد إلى مرحلة «حبرٍ على ورق» إلا ضمن حدود مذكرات التفاهم الموقعة بالحروف الأولى، والتي لم تسر أي خطوة إضافية حقيقية طوال السنوات الماضية.
إذا تركنا جانباً محاولات استغلال شعار «التوجه شرقاً» بوصفه مجرد شعارٍ يتم استخدامه في إطار الصراع، وحاولنا توصيفه بشكلٍ ملموس، كاستراتيجيةٍ للدولة والشعب في سورية، فإنه من الممكن الوقوف على عدة معانٍ أساسية للتوجه شرقاً، بينها ما يلي:
أولاً: الخروج من التبعية المالية لمنظومة الدولار واليورو؛ بما في ذلك سياسات واضحة لتوسيع سلة العملات، وتغيير التوازنات فيها بشكل حاسم، ولتعزيز التبادلات الخارجية بالعملات المحلية. وبكلمة: تغيير جذري للسياسات المالية القائمة، وعلى الخصوص تلك التي يتبعها البنك المركزي السوري.
ثانياً: قلب معادلة التبادل التجاري التي ما تزال رغم كل ما جرى، ورغم العقوبات، مائلة بشكل حاسم اتجاه التبادلات مع الغرب. وذلك رغم ارتفاع الأسعار لديه فوق السعر العالمي، ناهيك عن ارتفاعه عن الأسعار الممكن تحصيلها شرقاً، وفوق هذا وذاك ارتفاع نسب السمسرة والكومسيون التي تصب في جيوب تجار الحرب، ويدفع ثمنها عموم الشعب السوري.
ثالثاً: حصر مشاريع إعمار البنى التحتية بالشرق، وبالدرجة الأولى بالصين؛ حيث لا مجال للمقارنة مع ما يقدمه الغرب من عروض تحمل طابع الابتزاز ناهيك عن انخفاض جدواها... مثلاً: مشاريع الطاقة المتجددة التي يمكن لعدة دول أساسية في الشرق أن تقدم بدائل حقيقية عنها، سواء ضمن قطاع الطاقة المتجددة نفسه، أو ضمن قطاعات الطاقة التقليدية.
رابعاً: تسريع عملية التسوية السورية- التركية للوصول إلى فتح حدودنا مع تركيا، والتي ليست حدودنا معها فقط، بل وبوابتنا الأساسية، وربما الوحيدة، باتجاه الشرق كلّه، ضمناً الصين وروسيا والهند وإلخ. الأمر الذي من شأنه أن يكسر الحصار والابتزاز والعقوبات الغربية، مرةً وإلى الأبد. وهذا هو الطريق الوحيد لكسر هذه العقوبات، لأنّ من يحلمون برضى الغرب عنهم، لن ينوبهم سوى الخراب، لأنّ مشروع الغرب قائمٌ بالضبط على استمرار الفوضى والاستنزاف.
خامساً: القطع مع التبعية للغرب، يعني ضمناً القطع مع السياسات الليبرالية المتوحشة، من رفع دعم وخصخصة غير مباشرة وإلخ، والتي لا تقف مخاطرها عند سحب ثروات البلاد من جيوب أهلها، صوب جيوب الحرامية الكبار وعبرهم نحو الغرب، بل وتمتد إلى تخديم الفوضى «الخلاقة» وتعميقها بشكلٍ مستمر، وأكثر من ذلك، فهي تصب في تهجير الشعب السوري من أرضه، وتعزيز مخاطر التقسيم وتجدد العنف مع كل يومٍ إضافي من استمرارها.
سادساً: التوجه شرقاً بالمعنى الاستراتيجي، يعني ضمناً العمل الفعلي، لا اللفظي، ضد «الفوضى الخلاقة» الأمريكية. وبالملموس، يعني القطع نهائياً مع ألعاب «خطوة مقابل خطوة» الغربية بكل أشكالها، والتوجه نحو تحقيق الاستقرار الفعلي في سورية، والذي لا باب له سوى الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254. والحل السياسي نفسه، الذي يعيد وحدة الشعب السوري والأرض السورية، ويعيد سيادة الشعب السوري على أرضه وقراره، ويخرج كل القوات الأجنبية من سورية وعلى رأسها الصهيوني، هو الباب الفعلي لتحويل «التوجه شرقاً» من شعارٍ استعراضي إلى واقع فعلي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1142