افتتاحية قاسيون 1133: الحكومة لا تحكم ومجلس الشعب لا يشرّع!
يعبّر ما جرى من شد وجذب وضجة خلال الأسبوع الماضي حول سعر الصرف والوضع المعيشي وجلسة مجلس الشعب الاستثنائية وسلوك الحكومة خلالها، عن أزمة عميقة تعود جذورها إلى عام 2005؛ العام الذي بدأ فيه تطبيق السياسات الليبرالية تحت مسمى «اقتصاد السوق الاجتماعي»، وبما يتناسب مع توصيات وطلبات صندوق النقد والبنك الدوليين، وهو الأمر المستمر حتى اللحظة وبتسارع أكبر من أي وقت مضى.
إنّ «ضجة» الأسبوع الماضي، ليست حلقة اعتيادية ضمن حلقات الضجة والتنفيس التي اعتادها السوريون خلال أكثر من عقد مضى، بل هي حلقة «استثنائية» فعلاً، لأنها تمثّل، وعبر ما قاله رئيس الحكومة على منبر مجلس الشعب، الحلقة الأخيرة في عملية اللبرلة؛ حيث تم الإعلان عملياً عن التوجه نحو إنهاء سياسة الدعم مرة وإلى الأبد، وعن تحرير سعر الصرف. وبكلمة، فقد تم الإعلان عن استكمال التوجه لإنهاء أي دور تدخلي للدولة، وأنّ على الناس أن تدبر رأسها.
إنّ التعنت والإصرار على استكمال السياسات الليبرالية وفق وصفات المركز الغربي، هو أمر غير مفهوم بل مثير للدهشة إذا ما أردنا افتراض حسن النوايا؛ فليس من الصعب على أحد اليوم أن يفهم أنّ اللبرلة الاقتصادية هي إحدى الأثافي الثلاث التي يجري إحراق سورية فوقها (الملف الاقتصادي-الاجتماعي، الملف الأمني العسكري، الملف الثقافي المعنوي).
وكما يجري السير «ليبرالياً» في الملف الاقتصادي، كذلك يجري الأمر في الملفين الآخرين؛ إذ لا تجري عملياً خصخصة جهاز الدولة المدني عبر نزع وظائفه التدخلية الاجتماعية فحسب، بل ويجري بالتوازي -إذا ما نظرنا إلى كامل الخريطة السورية بكل مناطق السيطرة فيها- خصخصة القطاع العسكري الأمني، وإنهاء حصرية السلاح لمصلحة عدد من الحصريات بما فيها ذات الطابع المليشياوي. وفي الملف الثقافي المعنوي، تتواصل خطوات اغتيال روح سورية والسوريين، سواء عبر تغييرات المناهج، أو عبر «الأخطاء غير المقصودة» التطبيعية المتكررة هنا وهناك، مروراً بحريق ساروجة، الذي وللأسف ليس من المتوقع أن يكون آخر الخطوات.
إنّ نظرة فاحصة إلى الدستور السوري المعمول به، وإلى الوقائع، كافية للخروج باستنتاج واضح هو أنّ الحكومة في سورية لا تحكم، ومجلس الشعب لا يشرّع، وهو ما يمر عليه تفصيلاً ملف لمركز دراسات قاسيون في هذا العدد نفسه؛ ولذا فإنّ الجدل والنقاش العام ينبغي أن تتم حمايته من الوقوف عند سطح الظاهرة، بل ينبغي أن يفتح الباب أمامه ليخترق ذلك السطح ليدرك ويعرف ما يجري فعلاً، ولماذا يجري...
فلنعد ترتيب المسألة مرة أخرى، مع استمرار غياب الحل السياسي، عبر غياب التطبيق الفعلي للقرار 2254، أي مع إغلاق باب التغيير الجذري الشامل الذي يتضمن فيما يتضمن إعادة توزيع منطقية للصلاحيات بين سلطات الدولة، فإنّ ما يستمر تطبيقه على الأرض في سورية هو هو المخطط النيوليبرالي الغربي بإحداثياته الثلاث:
أولاً، لبرلة اقتصادية تنهي دور جهاز الدولة الاجتماعي، عبر إنهاء الدعم، بل وأيضاً إنهاء سياسة الاستيعاب الوظيفي، ناهيك عن استمرار الارتباط الاقتصادي بالدولار، والاكتفاء بالتوجه شرقاً بالشعارات فقط لا غير.
ثانياً، خصخصة القطاع الأمني والعسكري بشكل تدريجي بحيث يتم تقويض الجانب العسكري من وظيفة جهاز الدولة، بعد أن تم تقويض الجانب المدني.
ثالثاً، اغتيال روح وثقافة سورية والسوريين، بمختلف الوسائل والسبل...
أمام هذه الوقائع كلها، وبعيداً عن الانزلاق إلى اشتباكات جانبية وتراشق للمسؤوليات بين مجلس الشعب والحكومة، ينبغي أن يتم وضع السؤال على رأس الطاولة: لماذا هذا كله؟ ما الغرض؟ من المستفيد؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1133