ملاحظات حول مشروع برنامج الإرادة الشعبية
أنور أبو حامضة أنور أبو حامضة

ملاحظات حول مشروع برنامج الإرادة الشعبية

يقدم حزب الإرادة الشعبية عبر مشروع برنامجه السياسي وبتواضع ثوري طموحه من خلال برنامجه ورؤيته بأن يمثل الطبقة العاملة وسائر الكادحين السوريين، ويناضل من أجل اعترافهم به ممثلاً لمصالحهم.

حيث يرى بهذا الاعتراف مدخله الأساسي لتحقيق دورة الوظيفي في بناء الاشتراكية، اشتراكية القرن الحادي والعشرين- اشتراكية جديدة تستند إلى إيجابيات التجربة التي سبقتها وتتجاوز أخطاءها، محدداً بذلك هدفه بشكل واضح وصريح، مستنداً بذلك إلى المقولة الماركسية «إما الاشتراكية أو البربرية». وهذا الإصرار والثبات على المبدأ جاء مستنداً إلى مستوىً معرفي متقدم جداً حققه الحزب مكّنه من قراءة وتحليل تجربة الحركة الثورية، في حال نهوضها وفي حال تراجعها وتفسيره الصحيح لحالتي النهوض والتراجع ولحالة رأسمالية الألفية الثالثة، قاده إلى اقتراحات معرفية هامة جداً تضعه في طليعة القوى الثورية العالمية، حيث بين في البند 2 في باب الرؤية عن سبق معرفي هام جداً فيما يخص النظام الرأسمالي العالمي، حيث توصل إلى استنتاجات كبيرة وهي أن النظام الرأسمالي العالمي قد تكون أزمته الحالية هي الأزمة النهائية، لأن هذا النظام بعد أن استنفد توسعه الأفقي انتقل إلى طور تتسارع فيه أفعاله التدميرية ضد الإنسان والطبيعة، وضمناً النشر المنظم للأمراض الفتاكة، وبالتالي يدفع العالم نحو البربرية بعد «انسداد الأفق التاريخي أمام هذا النظام» وهذا اختراق معرفي هام جداً ويواصل وبنفس الوقت انفتاح الأفق التاريخي أمام القوى الثورية، هذا النظام وهذا الاختراق المعرفي يؤسس عليه للمرحلة النضالية الحالية التي جوهر الجوهر فيها إسقاط النظام الرأسمالي العالمي الذي أصبح معيقاً لتطور البشرية ولوجود الحياة نفسها على سطح الأرض وما نراه من همجية وبربرية شاملة من هذا النظام يؤكد هذه الحقيقة.

كما يقدم الحزب في البند 3 في باب الرؤية فهماً عميقاً ومتقدماً لما يجري من صراع في الساحة الدولية، فهو يرى أن الصراع يشتد في بيت الرأسمالية الداخلي ويرى في الصراع الجاري بين المركز الإمبريالي الأمريكي- الأوروبي من جهة والقوى الصاعدة «بريكس» من جهة أخرى، أدى هذا الصراع إلى توازن دولي جديد انتهت فيه الأحادية القطبية الأمريكية دون أن يعني ذلك أن الاستقطاب الجديد سيكون شبيهاً بذاك الذي ساد خلال الحرب الباردة- وهذا صحيح لأن ذاك الاستقطاب كان بين المنظومة الإمبريالية من جهة والمنظومة الاشتراكية من جهة أخرى- أما الآن فهو مختلف، هو استقطاب ضمن المجموعة ذاتها من حيث النظام، وهنا يُظهر حزب الإرادة معرفةً عميقةً باستنتاجه الهام جداً وهو «أن هذا الاستقطاب الثنائي الجديد هو استقطاب مؤقت لن يطول العهد به حتى ينزاح باتجاه الثنائية الحقيقية على المستوى العالمي بين قطب الشعوب من جهة والنظام الرأسمالي ككل من جهة أخرى».

ويتابع حزب الإرادة الشعبية تحليله وتفسيره لما يجري على الساحة الدولية مستنداً إلى المنهج الماركسي في تحليل ظاهرة التغير والانتقال الجارية حالياً مقدماً فهماً عميقاً ومتقدماً جداً، يرى في البند 4 في باب الرؤية «أن ما يقال حول انتقال من عالم أحادي القطبية إلى عالم متعدد القطبية ليس سوى القشرة السطحية في توصيف التحول الجاري عالمياً، فالأمر أعقد وأعمق وأبعد مدىً»، مبيناً أن هذا الانتقال يغير جذرياً الطبيعة الجغرافية السياسية للتجارة وللعلاقات الدولية التي استند إليها الاستعمار الأوروبي ومن بعده الأمريكي عبر القرون الأربعة الماضية، حيث بسط سيطرته على طرق التجارة البحرية بوصفها طرق التجارة الأساسية عالمياً من خلال أساطيله والشواطئ المحتلة من قبله. حيث تقوم مجموعات دولية مثل بريكس وشنغهاي وأستانا بكسر هذه البنية القائمة وهذا ينسف بالتدريج علاقات التبادل اللا متكافئ على المستوى العالمي، أي ينسف الاستعمار الاقتصادي بآلياته المختلفة ومنها التبعية التكنولوجية ومقص الأسعار والقروض وهجرة العقول وبالتالي انهيار المنظومة الرأسمالية العالمية في آخر مراحلها «الإمبريالية».

ويوضح الحزب هنا اكتشافاً مهماً جداً وهو أن الانتقال الجاري سيكون على النحو التالي «هو انتقال نحو نمط جديد من العلاقات الدولية من أحادية القطبية، نعم، ولكن عبر ثنائية قطبية مؤقتة هي ما تعيشه الآن، وصوب اللاقطبية حيث يكون التكافؤ بين الدول والشعوب هو الأساس الفعلي للعلاقات الدولية بأسرها».

ويضيف الحزب في البند 5 في الرؤية فهماً استباقياً ومعرفياً لطبيعة وشكل الانتقال الجاري، حيث من المعروف أن التغيرات العالمية تحصل نتيجة حروب كونية يفرض فيها المنتصرون شكل ومضمون نظام عالمي يعبر بنفس الوقت عن توازن قوى دولي، أما اليوم يرى الحزب، وينبه بنفس الوقت إلى أن الانتقال الذي يجري ودون حروب كونية «محكوم بكونه انتقالاً تراكمياً ويميزه عن الانتقال التدريجي» حيث يوضح ذلك «بأن ما يجري هو عملية تراكم بالنقاط بحيث عندما نصل إلى عتبة كافية يسقط الخصم كأنما بالضربة القاضية ولكن دون ضربة قاضية» ويشترط لنجاح ذلك «بأن هذا الانتقال محكوم بأن يجري بشكل شامل ومتزامن في مختلف ساحات الصراع، الاقتصادية والعسكرية والثقافية والأيديولوجية والتقنية محلياً وإقليمياً ودولياً».

كما يضيف الحزب اختراقاً معرفياً آخر حيث يقول «إذا كانت عملية التحرر من الاستعمار القديم قد بدأت بالتحقق بعد اتضاح ميزان القوى الدولي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية»، ففي عصرنا الراهن ربما سيتم الأمر بطريق معاكس، فإنهاء النظام العالمي القائم والانتقال إلى عالم جديد يمر بالضرورة «بالنقاط» أي عبر حسم جملة من الصراعات المحلية والإقليمية بالضد من المصلحة الأمريكية الصهيونية والغربية ويتطلب حسمها بالتوازي وبالتزامن لتشكل بمحصلتها مكافئاً للضربة القاضية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1133
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 13:35