افتتاحية قاسيون 1113: الاتفاق السعودي- الإيراني فاتحة خير!
يمثل الاتفاق الذي تم عقده يوم الجمعة الماضي 10 آذار بين السعودية وإيران في بكين وبوساطتها، نقلةً نوعيةً جديدةً ومهمة، ضمن عملية ولادة عالم جديد حر من البلطجة الغربية، وخاصة الأمريكية- الصهيونية. ويمثل أيضاً نقلةً نوعيةً بما يخص منطقتنا بأسرها، وفاتحة خيرٍ لتحولات قادمة بما في ذلك في سورية.
إنّ هذا الاتفاق- حتى ولو واجهته عقبات تفصيلية صغيرة أو كبيرة- هو البداية العملية لنهاية المشاريع الأمريكية- الصهيونية التي حملت مضموناً واحداً ومسميات متعددة بينها: «الشرق الأوسط الكبير» و«الشرق الأوسط الجديد» و«الفوضى الخلاقة» و«اتفاقات أبراهام» و«الناتو العربي». كما أنه يعبر عن الاتجاه الجدي والمجدي لحل الأزمات في العالم، والذي تتصدى له القوى الصاعدة.
ولمزيد من الوضوح، فإنه يمكن حتى الآن تسجيل النقاط الأساسية التالية بما يخص هذا الاتفاق:
أولاً: إنهاء حالة العداء بين السعودية وإيران، يعني إغلاق الباب على واحدٍ من أهم أسس «الفوضى الخلاقة» في منطقتنا، والتي اشتغل عليها الأمريكي والصهيوني طويلاً انطلاقاً من تحويل التمايز «السني- الشيعي»، و«العربي- الفارسي» إلى أداة اقتتالٍ وتدميرٍ ذاتي، تُنهك المنطقة بأسرها، وتضعها تحت الابتزاز الأمريكي المستمر.
ثانياً: فتح باب التعاون السعودي الإيراني، يعني وضع أساسٍ مهمٍ لحلحلة جملة من الأزمات الإقليمية التي كانت طوال عقد أو أكثر- إلى هذا الحد أو ذاك- ساحات صراعٍ وتنافس بين الطرفين، والحقيقة أنها كانت ساحات للتخريب الأمريكي- الصهيوني، عبر الاستفادة من حالة التوتر السعودي الإيراني والاستثمار بها.
ثالثاً: هذا الاتفاق يعني إنهاء حالة الابتزاز الأمريكي لدول الخليج العربي ولإيران على حدٍ سواء في الملف الأمني، وهو ما يعني بشكلٍ مباشرٍ نسف الأساس الواهي الذي تم بناء «اتفاقات أبراهام» عليه، وكذلك الفكرة الخلبية المسماة بـ«الناتو العربي».
رابعاً: هذا الاتفاق قد قوّض إلى حد كبير قدرات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية على القيام بأية استفزازات عسكرية ضد إيران، كان من المخطط فيما يظهر أن تُدخل المنطقة بأسرها في دوامة جديدة من الدمار طويل الأمد.
خامساً: الوساطة الصينية غير المسبوقة، والتي تمثل أول دورٍ دبلوماسي خارجي للصين بهذا الحجم، ليس في منطقتنا فقط، بل وفي العالم بأسره، هي تعبيرٌ عن بدء الصين والقوى الصاعدة على العموم، بلعب دورها السياسي والدبلوماسي الدولي بحجمه المتناسب مع الوزن الحقيقي لهذه القوى. وهي أيضاً مؤشرٌ على طبيعة هذا الدور القائمة على إطفاء الحرائق، وإحلال الاستقرار والسلم والاحترام المتبادل للثقافات على العكس من سياسة «الفوضى الخلاقة» و«صراع الحضارات»، الأمريكية- الصهيونية.
سادساً: التزامن بين عمل الصين ومعها روسيا على تسوية سعودية- إيرانية، وعمل مسار أستانا على تسوية سورية- تركية، ليس مسألة صدفية على الإطلاق، بل هو تجسيدٌ لإرادة مشتركة على مستوى القوى الصاعدة في إنهاء ملفات الأزمات المشتعلة في مجمل منطقتنا، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها. وهذا يعني ضمنياً، أنّ القواعد العسكرية التي كان يستخدمها الأمريكي لحصار منطقتنا وشعوبها، قد بدأت بالتحول هي نفسها إلى جيوبٍ معزولة، سيتم فيها حصار الأمريكي وصولاً إلى طرده.
سابعاً: ما ينطبق على القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، ينطبق على أكبر قاعدة أمريكية، أي الكيان الصهيوني، الذي يعيش اليوم أعمق وأعقد أزماته على الإطلاق، ويتلقى الصفعات من الداخل ومن الخارج، بالتوازي ودون توقف. وهو ما سيفتح الباب لحلٍ عادلٍ وشامل للقضية الفلسطينية، رغماً عن الصهيونية وعن الغرب الداعم لها؛ حلٌ لا يمكن أن تكتمل ولادة عالمٍ جديد دون الوصول إليه.
هي فاتحة خيرٍ صوب مرحلة جديدة مختلفة نوعياً للعالم بأسره، ولمنطقتنا على وجه الخصوص، ولبلدنا سورية أيضاً، والذي ستسير الأمور فيه بشكل أسرع ليس فقط باتجاه تسوية سورية- تركية، بل وأيضاً وبالتوازي باتجاه حلٍ سياسي شامل على أساس القرار 2254 ينتزع للشعب السوري حقه في تقرير مصيره، وفي تحقيق تغيير جذري شامل يسمح لسورية بالاستفادة من الوضع الدولي الجديد، بعيداً عن قيود وألاعيب المتشددين والحرامية الكبار من الطرفين، والذين لطالما كانوا جزءاً من تركيبة الاستعمار والتخريب الغربي الاقتصادي لبلادنا...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1113