ماذا يكمن وراء المزاعم الأمريكية الهستيرية تجاه الصين؟
(نُشِرَ المقال التالي بالأصل على موقع «شبكة تلفزيون الصين العالمية» CGTN بالإنكليزية في 10 آذار 2023)
حاولت واشنطن منذ 24 شباط 2022 أن تفرض على العالَم بأسره تصوراً محدداً للمعركة في أوكرانيا، ليس بوصفها معركةً تجري في أوروبا، بل بوصفها معركة عالَمية تكون الولايات المتحدة هي القائدة لأحد طرفيها، وعلى العالَم بأسره أن يختار يكون إمّا أن يكون معها أو ضدّها، على طريقة جورج بوش الابن خلال ما يسمّى الحرب على الإرهاب.
وضمن هذا التصور، سعت الولايات المتحدة منذ البداية إلى الضغط على الصين، بدأت باتهام الصين بأنها «تخرق العقوبات الأمريكية على روسيا».
ترجمة: قاسيون
بالطبع فإنّ المنطق الضمني لهذا الاتهام سخيف إلى أبعد الحدود. فالولايات المتحدة تفترض أنّ قوانينها وتشريعاتها المحلّية ليست ملزمة فقط ضمن حدودها، بل وفي العالم كلّه. هذا النوع من التطاول الأمريكي على سيادة الدول والقوانين الدولية بات يحمل اسماً واضحاً: «الولاية القضائية طويلة الذراع» – والتي ليس لها أيّ أساس قانوني، وهو مثال نموذجي عن عقليّة البلطجة التي تحكم السلوك الأمريكي على الساحة الدولية.
الجديد في محاولات الضغط الأمريكي على الصين هو الحملة التي بدأها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يوم 19 شباط. فخلال حضور بلينكن مؤتمر ميونخ للأمن، حذّر الصين من إمداد روسيا بالسلاح لدعم حربها في أوكرانيا. وهذه هي المرة الأولى التي يزعم فيها مسؤول أمريكي بهذا المستوى تهمة كهذه.
ولم يقف الأمر عند تصريح واحد، بل تلته عدة تصريحات أمريكية وغربية في الاتجاه نفسه، وما تزال هذه التصريحات تتردد حتي بعد أسبوعين من تصريح بلينكن أعلاه. كما بدأ الإعلام الغربي أيضاً بمناقشة الآثار المترتّبة على دخول السلاح الصيني إلى المعركة الأوكرانية، وكأن الأمر قد حدث حقاً.
هذه الطريقة في العمل الإعلامي التي يتبعها الغرب إلى حد كبير، تعيد إلى الذاكرة مقولة وزير دعاية الرايخ (النازي)، جوزيف غوبلز: «كرّروا الكذبةَ بما يكفي ولسوف يصدّقها الناس».
لا شكّ أنّ هناك فوائد وغايات متعددة للخطاب الأمريكي – الذي بلغ مستويات هستيرية – عن أنّ هناك سلاح صيني تم إرساله إلى روسيا.
بين الأهداف الواضحة، تخديم البروباغاندا الأمريكية حول ما يجري في أوكرانيا؛ ولا سيّما القول بأنّ مخزون السلاح الروسي قد نفذ أو على وشك النفاذ، وأنّ الصين بالتالي سوف تدخل لمساعدة روسيا «المُنهارة».
هذا النوع من الدعاية عن نفاذ مخزون السلاح الروسي قد تكرر أكثر بكثير ممّا قصد غوبلز في «نصيحته»، حتى أنه بدأ ينتج مفعولاً عكسياً لدى عموم الناس حول العالَم. ولكن يبقى هذال ضرورياً بالنسبة لواشنطن في سياق إطالة أمد الحرب والاستنزاف عبر خلق أوهام حول إمكانية انتصارٍ ساحق مبنياً على فكرة «انهيارٍ روسيّ شامل».
ربما الهدف الأكثر أهمية من الدعاية الأمريكية حول إرسال الصين السلاح إلى روسيا يكشفه توقيت هذه الدعاية. فليست مصادفة على الإطلاق بأنّ يأتي تصريح بلينكن المشار إليه هنا أعلاه، بعد 24 ساعة فقط من تصريح وانغ يي – عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية فيها – حول مبادرة السلام الصينية في أوكرانيا.
جوهر المسألة هو أنّ واشنطن ترى في أيّة دعوة للسلام في أوكرانيا، وخاصّةً إذا جاءت من الصين، تهديداً لمخططاتها العالمية وتهديداً لـ«وحدة» الغرب. فقد أثبتت واشنطن خلال السنة الماضية، ولحلفائها قبل أعدائها، ولا سيّما في أوروبا، الصحّة المطلقة لمقولة هينري كيسنجر: «أن تكون عدواً لأمريكا فهذا أمر خطير، لكن أنْ تكون صديقاً لها فهذا أمرٌ قاتل».
من الصعب بطبيعة الحال، على الأقل علنياًّ، أن تهاجم للولايات المتحدة دعوات الصين إلى الحوار والسلام، لأنّ ذلك سيضع الولايات المتحدة في موقفٍ محرج عالمياً، وداخلياً أيضاً. لذلك لجأت واشنطن إلى اتباع أسلوب مركب في العمل ضدّ دعوات الصين للسلام.
فمن جهة شنّت الولايات المتحدة حملة إعلامية سياسيّة لاتهام الصين بتزويد روسيا بالسلاح في المعركة مع أوكرانيا، ومن جهة أخرى استعملت الولايات المتحدة هذه الحملة نفسها التي فبركتها، من أجل التشكيك في مبادرة الصين والقول بأنّها لا تأتي بأية قيمة مضافة.
أي أنّ واشنطن، وعبر اتهامها الصين بتزويد روسيا بالسلاح، إنما تسعى استباقياً إلى تقويض الوساطة الصينية عبر اتهام الصين بأنها طرف في الصراع وبالتالي لا تصلح كوسيط.
حجم الهيستيريا الأمريكية الرسمية والإعلامية في اتهام الصين بالبيع المزعوم للسلاح والتشكيك في مبادرتها للسلام، يعكس مدى أهمية هذه المبادرة، ومدى قلق صقور الحرب ومجمعات الصناعات العسكرية حيال قدرة المبادرة الصينية على دفع الأطراف المختلفة للوصول إلى حلول وسط توقف المأساة وتضع الأساس لنموذج جديد في حلّ الأزمات الدولية.
المصدر: What lies behind the U.S.'s hysterical allegations of China? كما نشر بالأصل على موقع CGTN، وأعيد نشره بالإنكليزية على Kassioun
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 000