افتتاحية قاسيون 1109: لماذا «زلزالنا» أشد فتكاً؟
يفتح الزلزال جرحاً عميقاً جديداً في الجسد السوري المثخن بجراحه. وتحت وطأة الألم المشترك، فإنّ الأشد بروزاً على السطح هو الأمور التالية:
أولاً: السوريون هم السوريون، ألمهم ومصابهم واحد، بغض النظر عن مناطق وجودهم، وعن «مناطق السيطرة». وحجم الترابط والرغبة الصادقة في المساعدة قد قطّعت كلّ «الحدود» و«الحواجز» التي طال استثمار أمراء الحرب بها من مختلف الجهات.
ثانياً: عموم الناس، وفي مسعاهم لتقديم المساعدة، يظهرون بشكل واضح عدم ثقتهم بأيٍ من المؤسسات، الرسمية وغير الرسمية، السورية وغير السورية، ويبذلون قصارى جهدهم لضمان وصول مساعداتهم العينية والمالية باليد، وعبر أشخاص يثقون بهم من السوريين العاديين غير المنضوين تحت أية مؤسسة من أي نوع كان... ولهذه المسألة ومعها ما ذكرناه في الفقرة السابقة، معنىً عميقاً، يعكس من جهة حجم الترابط بين السوريين، ومن جهة ثانية مدى انفصال «النخب» و«المؤسسات» عنهم.
ثالثاً: يسود النفاق السياسي المشهد لدى «النخب»، المحلية والخارجية، والذين حقّت عليها لعنة السوريين الأبدية؛ بين من يسعى محلياً لتسييس وتوظيف الكارثة للاستثمار بها، عبر تحويلها إلى فرصة لمهاجمة الآخرين، أو فرصة للتربح من المساعدات، وبين من يسعى خارجياً، وفي الغرب والولايات المتحدة تحديداً، لادعاء «الإنسانية» وللكذب الصريح بأنّ العقوبات لا تأثير لها على الإغاثة الإنسانية.
من المعروف أنّ التعامل مع الكوارث الطبيعية الكبرى التي من طراز زلزال الاثنين، ليس بالأمر السهل بالنسبة لأية دولة من الدول، بما في ذلك الدول الأكثر استقراراً، فكيف الحال مع دولة وشعبٍ منهكين أشد الإنهاك؟
إنّ زلزالنا أشد فتكاً، وإنّ المساعدات أشدّ قصوراً، بسبب جملة من الأسباب، ربما أهمها:
أولاً: استمرار الأزمة السياسية الاقتصادية- الاجتماعية عبر أكثر من عشر سنوات، والتي أدت إلى تهتكٍ شديدٍ لكل المؤسسات، سواء منها الموجودة في مناطق سيطرة النظام، أو في المناطق الأخرى من سورية.
ثانياً: بين نتائج هذه الأزمة الواضحة، ومعها الفساد الكبير المهيمن، هي أنّ السوريين يعيشون في منازل ليست موافقة للحد الأدنى المطلوب للتعامل مع الزلازل، حتى وإنْ كانت كذلك على الورق، فقد تبين أنها في الواقع ليست كذلك إطلاقاً.
ثالثاً: الفساد العميق المستمر منذ عقود، والذي تصاعد وتعمق خلال الأزمة، ومعه السياسات الليبرالية، قد قلّصت بشكل كبير قدرات جهاز الدولة على التدخل الإيجابي في أيّ مجالٍ من مجالات حياة الناس، وجعلته عاجزاً عن حلّ أية مشكلة من مشكلات المجتمع، فما بالك بمصيبة بوزن الزلزال... ناهيك عن أنّ مختلف المؤشرات تقول: إنّ الإرادة الحقيقية لمعالجة أيّ من المشاكل، الصغيرة والكبيرة، ليست موجودة أساساً.
رابعاً: العقوبات الغربية، والأمريكية خصوصاً، ورغم كل النفاق الأمريكي حولها، هي مسبب أساسي في مضاعفة حجم الكارثة؛ ابتداءً بمساهمتها بأزمات الوقود والغذاء، ووصولاً إلى دورها في المسائل الطبية والصحية وغيرها.
إنّ أولئك الذين ارتضوا مقتل مئات الآلاف من السوريين، وعذابات الملايين منهم على مذبح شعاراتهم السياسية المتطرفة وغير الواقعية، وعلى مذبح مصالحهم الضيقة، لن يغصوا بالدماء الجديدة النازفة، ولن تؤرقهم آهات الوجع الحارقة الخارجة من صدور السوريين في طول الأرض وعرضها. كذلك، فإنّ الدول التي ترى أنّ «أمنها القومي» يتطلب تحويل سورية إلى «مستنقع»، سترى في الزلزال غوثاً لمصالحها وأهدافها، لا مصيبة إنسانية كبرى.
أصحاب المصلحة الحقيقية في إيقاف النزيف العام، وفي تضميد الجراح القديمة والمستجدة، هم عموم السوريين، هم الأغلبية الساحقة والمسحوقة بكل الأشكال المجازية والفعلية. وهؤلاء يحتاجون مساعدات إنسانية لا تعيقها عقوبات ولا توقفها «حواجز» من أي نوع كان، ويحتاجون فوق ذلك أن تكون مصلحتهم هي الحاكم الفعلي لشؤون السياسة والاقتصاد، ولذلك يحتاجون تغييراً جذرياً شاملاً، هو أداتهم الوحيدة كي يمسكوا بزمام حياتهم بأيدهم، وكي يتمكنوا من مواصلة الحياة دون خوف مستمر من الموت برداً وجوعاً وفقراً ومرضاً... وتحت أنقاض بيوتهم، وبلا مجيب لصرخاتهم!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1109