افتتاحية قاسيون 1103: لقاء موسكو: المحتوى والغاية
تتواصل حتى اللحظة، زوبعة الآراء والبيانات والتصريحات المعادية للقاء موسكو، الذي جرى يوم 28 من الشهر الماضي، وجمع وزراء دفاع كل من روسيا وتركيا وسورية. وإذا كان مركز هذه الآراء كما بات واضحاً ومعلناً هو الموقف الرسمي الأمريكي الذي تمّ إعلانه على لسان وزارة الخارجية الأمريكية، فإنّ صدى ذلك الموقف قد بدا جلياً لدى كلٍ من المتشددين في المعارضة وفي النظام على حدٍ سواء.
تأخذ الآراء المعادية للقاء موسكو شكلين أساسيين؛ الشكل الأول: وأبطاله المتشددون ضمن المعارضة، هو الهجوم السافر والمباشر الذي يعتبر اللقاء «خيانة» لدماء السوريين وتضحياتهم. والشكل الثاني الأكثر دهاءً، وأبطاله المتشددون ضمن النظام: هو الهجوم على اللقاء من خلال المبالغة بالاحتفاء به والمترافقة مع اختراع الأكاذيب حول مضامينه ومعانيه، ضمن محاولة لتضليل الناس حوله على أمل دفعهم للوقوف ضده، وضد ما سيليه.
الأجواء في أوساط المتشددين من الطرفين في تفاعلها مع لقاء موسكو، تشبه إلى حد التطابق، تلك الأجواء التي سادت بينهم بعد إقرار 2254 نهاية عام 2015؛ ففي حينه رفضوه وهاجموه وخوّنوا من يوافق عليه، ليعودوا بعد ذلك بأشهر أو سنوات إلى الإقرار به. وطبعاً، اتضح لاحقاً أنّهم حتى حين أقروا به، فإنهم أقروا مرائين منافقين، وبهدف العمل ضد الحل السياسي من داخل أروقة الأمم المتحدة، ومن داخل أطر العملية السياسية المختلفة؛ شأنهم في ذلك شأن معلميهم الغربيين في التعامل مع اتفاقات مينسك... فهؤلاء وأولئك، لم تعد المسألة بالنسبة لهم محصورة بتجارة الحرب والتكسب منها، بل وبات الحل الحقيقي للأزمات تهديداً لمستقبلهم ووجودهم، ولا غرابة إذاً أن يستقتلوا في العمل ضد الحل.
ورغم زوبعة الهجوم، المحدودة في نهاية المطاف، فإنّ ما يمكن أن يرصده أي متابع موضوعي، هو أنّ أغلبيةً مهمة من السوريين، تنظر إلى هذا الاجتماع بقدرٍ من التفاؤل والأمل، الحذرَين بطبيعة الحال؛ ومصدر التفاؤل والأمل هو الحس العام السليم لعموم الناس، والذي يتلمّس- حتى دون براهين علمية قاطعة- أنّ هذا اللقاء يصب في المسار الذي يقود نحو الحل ونحو التغيير. وربما إحدى أدوات الناس في تلمس هذه المسألة هي معرفتهم العميقة بمواقف المتشددين من الطرفين، والذين لطالما عملوا ضد تسوية سورية- تركية، في السر وفي العلن... وأنّ عموم السوريين المنهوبين يمتلكون قناعة مطلقة بأنّ مصالحهم هي العكس تماماً من مصالح المتشددين في كلٍ من النظام والمعارضة.
إنّ محتوى وجوهر لقاء موسكو، وما سيليه من لقاءات في الفترة القادمة، يتركز في النقاط التالية:
أولاً: هذا اللقاء يعني أنّ مسار أستانا قد انتقل فعلياً إلى الطور الثالث والنهائي من تطوره؛ طوره الأول كان مهمة وقف إطلاق النار عبر مناطق خفض التصعيد. والثاني كان المحافظة على وقف إطلاق نار مع إطلاق مبادرات جزئية بخصوص الحل السياسي، كما كان الأمر مع اللجنة الدستورية. الطور الثالث والنهائي والذي يشكل لقاء موسكو انطلاقته العلنية، هو انتزاع المبادرة الكاملة في تنفيذ 2254 من يد الغرب الذي يتمسك بالقرار كلامياً فقط بغرض منع تنفيذه.
ثانياً: التسوية السورية التركية على أساس سيادة ووحدة أراضي كل من الدولتين، باتت باباً أساسياً لتجريد الغرب من أهم أدوات الابتزاز والتخريب في سورية، أي من أداة العقوبات الاقتصادية والحصار.
ثالثاً: التسوية بين سورية وتركيا، هي تسوية من نموذج مختلف كل الاختلاف عن عمليات «التطبيع» التي شجعها ويشجعها الغرب، بما في ذلك مع أنظمة عربية بعينها؛ فالأولى: تشكل مفتاحاً من مفاتيح الوصول إلى المرحلة الانتقالية، أي إلى التطبيق الفعلي للقرار 2254. والثانية: تشكل أداةً في تكريس الأمر الواقع، وفي تكريس تقسيم الأمر الواقع.
الطريق لن يكون معبّداً، ولن يكون سهلاً، وسيستمر المتشددون بمحاولات التخريب بشتى السبل الممكنة، بما فيها عبر محاولات وهمية لإحياء مسارات لم ولن تقدم شيئاً بتركيبتها الحالية. ورغم أنّه لن يكون سهلاً، إلّا أنّه الطريق الصحيح باتجاه الحل، وهذا هو المهم في المسألة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1103