افتتاحية قاسيون 1084: لماذا التسارع الهائل في إعدام الدعم؟

افتتاحية قاسيون 1084: لماذا التسارع الهائل في إعدام الدعم؟

بدأت تتسارع عمليات تخفيض الدعم باتجاه رفعه مع الخطة الخمسية العاشرة، أي منذ عام 2005 مع التبني الرسمي لما سمي «اقتصاد السوق الاجتماعي»، والذي كان واضحاً منذ بدايته أنه مرسوم على خارطة توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين، واللذين يملكان وصفة واحدة لكل «دول الأطراف»، تقوم على الأجور المنخفضة والإنتاج الضعيف الذي يعزز الهيمنة الغربية ويعزز هجرة العقول والكوادر.

استمر تنفيذ الرسمة نفسها بشكل ثابت رغم كل المتغيرات ورغم الأزمة ورغم العقوبات الغربية، وأصبحت الأزمة نفسها ذريعة لتسريع التنفيذ، رغم أنّ الأزمة بالذات كانت فرصة تاريخية للخروج من التبعية الاقتصادية للغرب، عبر فتح الأبواب بشكل حقيقي مع الدول الصاعدة. ولكن هذا لم يتم لأنّ مصالح الفاسدين والناهبين والمتسلطين مرتبطة عضوياً بالغرب، وظهر أنها الأقوى والأكثر سيطرة.

وإذا كان هذا كلّه مفهوماً، فإنّ ما يحتاج تفسيراً هو التسارع الرهيب في عمليات رفع الدعم وإنهائه التي جرت خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة، إلى الحد الذي بات معه خبر رفع الدعم أو تخفيضه عن هذه أو تلك من الخدمات والقطاعات، خبراً شبه يومي.

إذا كان رفع الدعم أو تخفيضه في مسائل كبرى مثل المحروقات، يجري تبريره عادة بعجز الموازنة وبـ«الوفر» المفترض الذي يمكن أن يتحقق، فإنّ الإجراءات شبه اليومية في عمليات رفع الدعم خلال الشهرين الأخيرين خاصة، لا يمكن تفسيرها إطلاقاً من وجهة النظر هذه؛ فـ«الوفر» المفترض هزيلٌ وبلا معنى من وجهة نظر مالية واقتصادية... ولذا فإنه ليس كذلك من وجه نظرٍ سياسية!

التفسير الوحيد الممكن لهذه العمليات غير القابلة للتبرير حتى من وجهة النظر «الليبرالية»، هو أنّ حملة إعدام الدعم هي تجهيزٌ للمرحلة القادمة، وأنّ الجدول الزمني ضيقٌ وقصير ويستوجب شراسة كبرى في إنهاء الدعم تقتله كلياً، ضمن فترة قصيرة قادمة.

بكلامٍ أوضح، فإنّ من يقودون الحملة يجهزون الظروف على أساس قناعتهم بأنّ تغييراً كبيراً قادماً، هو في جوهره تطبيق الحل السياسي. وهم لذلك يسعون لإحداث أكبر قدرٍ من التدمير في بنية الاقتصاد السوري لتهيئة الظروف بحيث يعودون من الشباك الاقتصادي في مرحلة لاحقة.

وربما أبعد من ذلك، فإنّ المرتبطين عضوياً بالغرب، ينفذون مهمتهم الأخيرة ما قبل الحل السياسي، وهي «التنازل» عن الهيمنة الغربية الاقتصادية على سورية، ولكن على أن تكون مدمرة تدميراً شاملاً يتحول إلى عبءٍ على خصوم الغرب، وبطبيعة الحال إلى عبءٍ على الشعب السوري نفسه...

ولكن كما يقال، ربّ ضارة نافعة؛ فسياسة الدعم بشكلها القائم، هي بجوهرها المكمل لسياسة الأجور الضعيفة والمنهوبة وغير الحقيقية، وهي كذلك أداة تحكم وهيمنة وفساد. وانتهاء هذه السياسة يعيد وضع التناقض بين أصحاب الأجور وأصحاب الأرباح على سكة الحل الحقيقي باتجاه بناء اقتصاد ذي إنتاجية حقيقية وأجور حقيقية تبدأ درجتها الأدنى من الحد الأدنى الحقيقي لمستوى المعيشة، وتصعد ضمن سلم الأجور، وهو الأمر الذي أقره للمرة الأولى الدستور الحالي، ولكنّه لم يخرج من الورق إلى أرض الواقع.

قتل الدعم بهذا الشكل المتسارع، هو اعتراف بانتهاء أي دورٍ اجتماعي لمصلحة الناس تقوم به الدولة، وتعني انتهاء أي مبرر موضوعي لاستمرار الوضع الراهن، وتعني أيضاً أنّ الولادة الجديدة لسورية عبر القرار 2254، باتت أكثر قرباً وأكثر إلحاحاً...

 (English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1084
آخر تعديل على الأحد, 21 آب/أغسطس 2022 20:47