افتتاحية قاسيون 1067: نهجان في التعامل مع العقوبات

افتتاحية قاسيون 1067: نهجان في التعامل مع العقوبات

العقوبات الأمريكية والغربية ليست شيئاً جديداً، وإنْ اختلفت شدتها من مكان لآخر ومن زمن لآخر؛ فهي تعود إلى أكثر من 70 عاماً مضت.

والسجل التاريخي الحافل بالعقوبات الغربية وطرق التعامل معها، تضع أمامنا كمّاً كبيراً من الأمثلة لم تسلك جميعها السلوك ذاته، ولم تصل إلى النتائج ذاتها...
كوبا المعاقبة منذ أكثر من 60 عاماً، ورغم الضرر الكبير الذي لحق بالاقتصاد، إلا أنها تمكنت من الحفاظ على اكتفاءٍ ذاتي معقول، ومستوى خدمات صحية عامة تتفوق فيها على الولايات المتحدة نفسها، وفوق ذلك فقد حافظت على تلاحم سياسي قوي ومسنود شعبياً بشكل حقيقي، وليس عبر الشعارات والادعاءات.
إيران التي وقعت تحت أشد أشكال العقوبات لمدة تزيد عن 40 عاماً، تمكنت ليس فقط من الحفاظ على درجة معقولة من استقرار نظامها السياسي، بل وأيضاً استطاعت أن تتقدم وتتحول إلى دولة قوية ورقم أساسي في المعادلة الإقليمية.
الصين وروسيا مثالان فريدان ليس في الدفاع ضد العقوبات فحسب، بل وباتباع سياسة هجومية ضد المعاقِبين، أوصلتهم حدّ أن المعاقِب بات يتضرر أكثر ممن تقع عليه العقوبة؛ حتى إنّ الخبراء الاقتصاديين والسياسيين الغربيين أنفسهم بدأوا يصفون تلك العقوبات بأنها كمن يطلق النار على أقدامه.

السؤال الذي لا يمكن الهروب من الإجابة عنه هو: لماذا لم تؤثر العقوبات على هذه الدول (وغيرها) بالشكل الكارثي الذي أثرت فيه على سورية؟

ما هي الوصفة «الفريدة» الداخلية التي لدينا، والتي تعمل كمكمل للعقوبات وكأنهما جزآن من وصفة واحدة، هدفها تدمير البلاد وأهلها؟

مع هذا السؤال، ومع النظر إلى إجراءات المجابهة التي تتخذها الصين وروسيا الآن، وتلك التي اتخذتها دول في مواجهة العقوبات، مثل: كوبا وإيران، تتوالد جملة من الأسئلة:
لماذا لم تدفع العقوبات على سورية نحو وضع يد الدولة على مصالح الشركات الأجنبية التابعة للدول التي عاقبتنا؟ في المثال الروسي نعلم أن من وقف ويقف ضد إجراءات من هذا النوع اليوم، هم من الأوليغارك الذين يخافون على ملكياتهم في الغرب... هل لدى «أوليغاركنا» المخاوف ذاتها؟
لماذا استمر ربط ليرتنا بالدولار واليورو اللذين لا يتوقفان عن تحطيمها وتحطيم معيشة الناس وأمنهم الغذائي معها؟
لماذا لم تضع الدولة يدها على عمليات استيراد وتصدير الأساسيات، بل وأكثر من ذلك منحتها عملياً لحفنة من الحيتان الكبار، حتى باتت أسعار قسم واسع من هذه الأساسيات أعلى من أسعارها العالمية، وبنسب كبيرة؟
لماذا تستمر حكوماتنا في التنفيذ الأمين لتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليين في عمليات رفع الدعم، بما في ذلك حتى الآليات الدعائية التي تنصح بها تلك التوصيات؛ من قبيل «إيصال الدعم لمستحقيه»؟

تطول القائمة، وتكاد لا تنتهي... ولكن خلاصتها، أنّ هنالك نهجين في التعامل مع العقوبات: نهج يواجهها ويبحث عن البدائل ويعتمد على تحصين الجبهة الداخلية والبحث عن علاقات اقتصادية فعالة مع دول العالم التي تتشارك الموقف السياسي معه، وينجح في ذلك. ونهج يسعى للتكيّف مع العقوبات لأنه «مفطوم» على العلاقة مع الغرب، ولا يريد لهذه العلاقة أن تنتهي.

هذا النهج الذي لا يملك الإرادة السياسية للقطع مع الغرب، ولا يملك تالياً الإرادة السياسية لإنهاء مأساة ومعاناة السوريين، يتحول مع الوقت من نهج يطيل الأزمة ويعقدها، إلى نهج تدمير شامل للبلاد وأهلها.

بلورة وإنفاذ إرادة سياسية للمواجهة مع الغرب من البوابة الاقتصادية كان ملحاً، وأصبح أكثر إلحاحاً للخروج بسورية موحدة أرضاً وشعباً، وبلورة إرادة سياسية من هذا النوع لها طريق واحد، هو: التغيير الجذري الشامل عبر الحل السياسي على أساس القرار 2254.

 

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1067
آخر تعديل على الأحد, 24 نيسان/أبريل 2022 20:13