في فهم معنى «الغاز مقابل الروبل» 7- (رأس المال!)

في فهم معنى «الغاز مقابل الروبل» 7- (رأس المال!)

هنا الحلقة السابعة، ويمكن الرجوع عبر الروابط للحلقات السابقة: الأولى (1- العقوبات وسعر الصرف) الثانية (2- إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا) الثالثة (3-خلية الرأسمالية الأولى) الرابعة (4- خطوة أخيرة قبل ظهور النقد) الخامسة (5-أنتم ملح الأرض!) السادسة (6- العملة رمزٌ للقيمة!)

وصلنا في الحلقة الماضية إلى ظهور العملة الورقية، وتوقفنا عند السؤال عن الفائدة ومصدرها، وضمناً عن دور البنوك عموماً، والبنوك المركزية خصوصاً. وقلنا: إنّ فهم هذه المسائل يتطلب استكمال فهم الشكل الرابع من التبادل: نقد- بضاعة- نقد.

(الهدف النهائي لهذه السلسلة، هو أن يتمكن القارئ من تكوين رأيٍ مستنير مما يجري هذه الأيام من تحولات كبرى على الساحة العالمية بما يخص البترودولار والدولار نفسه، وضمناً مسألة (الغاز بالروبل) بوصفها نقطة علامٍ في الانتقال نحو مرحلة جديدة، ليس بالنسبة لروسيا وحدها، بل وللعالم بأسره...)
وإذاً فلنتابع...

مقارنة أولية

(ب: بضاعة، ن: نقد). في الحلقتين الرابعة والخامسة، ناقشنا الأشكال الثلاثة الأولى للتبادل، وهي:
• ب1- ب2 (مقايضة)
• ب1- ب2 - ب3 (تطور المقايضة)
• ب1- ن - ب2 (البضاعة النقدية- النقد)
وسنناقش هنا الشكل الرابع: ن1 - ب - ن2 (رأس المال).
سنبدأ المناقشة بوضع جدول يبين- عبر ستة أسئلة- الفروقات الأساسية بين الشكلين الثالث والرابع، ثم نقوم بشرحه تدريجياً: ولنبدأ بتفسير ما جاء في العمود الثالث من الجدول، أي ما جاء حول شكل التبادل الثالث (ب1- ن - ب2) الذي سبق أن مررنا عليه.

1066i1

سنعرض هذا الشكل عبر مثال صاحبنا السابق نفسه (أي مالك الـ 40 بيضة) الذي قام بسلسلة من التبادلات، أحدها هو التالي: (20 بيضة- نصف كغ ملح - 1 سترة). في هذا المثال، الملح هو النقد المعتمد في ذلك العصر، ولن تختلف المسألة بشيء في الجوهر إذا كان النقد المعتمد هو الفضة أو الذهب، أو حتى العملة الورقية في وقت لاحق.
تتكون عملية التبادل هذه من وجهة نظر مالك العشرين بيضة، من قسمين:
(20 بيضة- نصف كغ ملح)، و(نصف كغ ملح- 1 سترة). القسم الأول: هو البيع، ويعبر عن أنّ صاحبنا قد باع العشرين بيضة في السوق مقابل نصف كيلو غرام ملح. القسم الثاني: هو الشراء، ويعبر عن أنّ صاحبنا قد اشترى سترة واحدة بنصف كغ ملح.
هذه العملية في جوهرها، لا تختلف عن المقايضة المباشرة بين صاحب البيض وصاحب السترة، لكن الملح- النقد، قد دخل في هذه العملية لحل التعقيدات والمشكلات التي سبق أن ذكرناها.
بعد طرح المثال، فلننظر الآن بشكل سريع لمعنى الإجابات الموجودة في الجدول بما يخص شكل التبادل هذا...
غاية صاحب البيض من الدخول في هذه العملية هي الحصول على السترة، أي استهلاكها.
ولأن غايته النهائية هي السترة، فهو يستهدف منفعة السترة، قيمتها الاستعمالية، وليس قيمتها (أي ليس عدد ساعات العمل البشري الضروري اجتماعياً المختزنة ضمنها).
ولأن الغاية هي منفعة البضاعة، هي قيمتها الاستعمالية، فإنّ عملية التبادل هذه تستهدف النوع بالدرجة الأولى.
وكذلك فإنها عملية محدودة بحدود الاستهلاك؛ فصاحب الـ 40 بيضة في مثالنا القديم، يدخل في جملة تبادلات تحدها من جهةٍ: كمية ما يملك من بيض، ولكن أيضاً من جهة أخرى: تحدها بالمعنى النظري قدرته على الاستهلاك... ولنفترض أنه يملك عدداً لا نهائياً من البيض ويمكنه أن يبادله بما يشاء من البضائع بغرض الاستهلاك... سيبقى الأمر نفسه في النهاية، أي أنه سيصل إلى حدّ أقصى لا يمكنه أن يستهلك فوقه...
عملية بيع البيض، وعملية شراء السترة، كلتاهما تتمان في سوق البضائع.
النقد يدخل في هذه العمليات بوصفه وسيط تبادل ومقياساً للقيمة، أي أنه يدخل فقط لتخديم عملية (المقايضة)، ويشبه في ذلك بعض أنواع المواد الوسيطة في التفاعلات الكيميائية والتي تكون وظيفتها هي فقط تسهيل التفاعل، ولا تتدخل في تركيب المواد المتفاعلة ولا المواد الناتجة.
جوهر هذه العملية، هو أنّ التبادل جرى بين متعادلات (20 بيضة، ونصف كغ ملح، و1 سترة) كل منها تختزن كمية العمل البشري نفسه، الضروري اجتماعياً، وليكن 10 ساعات عمل... أي أنّ القيمة (الكم) بقيت هي ذاتها في كل مراحل العملية، والذي اختلف هو القيمة الاستعمالية (النوع).

1066-26

سحر المال الذي يولد مالاً!

والآن، فلنعاين الشكل الرابع، أي: ن1 - ب - ن2 (نقد- بضاعة- نقد). وسنقوم أولاً باستبعاد ثلاثة أشكالٍ تشابهه ظاهرياً، لنصل بعد ذلك لشكله الحقيقي:
أولاً: فلنبدأ بافتراض أن هذا التبادل تمّ أيضاً في سوق البضائع؛ مثلاً: كان لدى صاحبنا نصف كغ ملح، وقام بعمليتين متتاليتين، الأولى: هي عملية شراء (مثلاً: اشترى بدل نصف كغ ملح، سترة واحدة)، والثانية: هي أنه باع هذه السترة بنصف كغ ملح.
المحصلة، هي أنه بدأ عملية التبادل بنصف كغ ملح، وأنهاها بنصف كغ ملح! وواضح أنّ هذه العملية ليس لها أي معنى ولا أية فائدة، لأنّ بدايتها هي ذاتها نهايتها من حيث الكم والنوع. ويمكن لهذه العملية أن يكون لها مبرر واحد فقط، هو أنّ صاحبنا بعد أن اشترى السترة استنتج بطريقة ما أنه ليس بحاجتها، وما قام به هو إعادة بيعها واستعادة ماله... بالمقابل، حين بدأ صاحبنا بالـ20 بيضة وانتهى بالسترة، فتلك كانت عملية نافعة ولها غاية واضحة، فرغم أنّ الكم بقي هو نفسه (لأنّ الـ20بيضة ونصف كغ ملح و1 سترة، جميعها متساوية من حيث القيمة، أي من حيث عدد ساعات العمل البشري الضروري اجتماعياً المختزنة في كلٍ منها)، إلا أنه حصل على نوعٍ مختلف، فبدل البيض حصل على السترة، والسترة هي ما يحتاجه... إذاً فالعملية منطقية ولها غاية واضحة ومفهومة.
بكلامٍ آخر، فإنّ ن1 - ب - ن2 لا يمكن أن يكون لها أي معنى إلا في حالة واحدة، وهي أن تبدأ بكم من النقد (في مثالنا نصف كغ ملح)، وأن تنتهي بكم آخر مختلف من النقد - الملح أكبر من الكم الأول (مثلاً 600 غرام من الملح) ... حينها فقط تصبح العملية مبررة.
ثانياً: يمكن أن نفترض أنّ صاحب البيض رجلٌ محتال استطاع أن يشتري بنصف كغ ملح سترة، ثم يُقنع أحداً آخر بأنّ قيمتها هي 600 غ ملح ويبيعه إياها، وبالتالي أن يربح 100 غ ملح. لكن هذا الأمر سيكون استثناءً، لأن القاعدة العامة هي تبادل المتعادلات، ولأنّ الحالة العامة هي أنّ الشارين والبائعين يبحثون عن النوعية التي يريدونها وبأقل سعر ممكن، وإذاً فهذا الشكل أيضاً لا يمكنه أن يفسر المسألة.
ثالثاً: قبل أن نمضي أبعد في تفسير كيف يمكن لـ ن2 أن تكون أكبر من ن1، لا بد من الإشارة إلا أنّ أبسط الأشكال التاريخية لهذا النوع من التبادلات هو الاحتيال العلني المسمى بالربا: ن1- ن2، أقوم بإقراضك كماً من النقود على أن تعيده ومعه الفائدة، ولكن حتى هذا الشكل لا يكشف السر الأهم، لأنه لا يكشف مصدر الفائدة...
رابعاً: يقوم تاجر صغير بدفع مبلغ 10 كغ ملح مثلاً لشراء أصناف متعددة من الخضار، ثم يبيعها في محله بمبلغ 11 كغ من الملح. هنا لدينا ظاهرياً تبادل هو ن1 - ب - ن2 (10 كغ ملح- خضروات متنوعة- 11 كغ ملح) وعلينا أن نسأل: من أين جاء الـ 1 كغ ملحاً إضافياً؟
إذا دخلنا في تفاصيل المسألة، فهذا التاجر قد بذل عملاً إضافياً على هذه الخضروات، عبر نقلها مثلاً نحو محله، وعبر ترتيبها وتصنيفها ضمن أنخابٍ مختلفة، وكذلك عبر دفع الإيجار الشهري لمحله، وعبر ملازمة الخضروات طوال النهار في عملية بيعها وإلخ... أي أنّ الشخص الذي يريد شراء كغ بندورة من صاحبنا وليكن بـ 20 غ ملح، يمكنه أن يشتريه من الفلاح بـ 18 غ ملح، لكنه سيضطر إلى الوصول إلى ذلك الفلاح وصرف وقت وجهد ربما يفوق بالمحصلة الـ 20 غ ملحاً للحصول عليه.
بكلام آخر، فإنّ هذا التبادل في حقيقته هو: (10 كغ ملح- خضروات متنوعة) ثم (خضروات متنوعة + 1 كغ ملح قيمة أعمال متنوعة يقوم بها التاجر الصغير- 11 كغ ملح) ... والفرق الذي حصّله هذا التاجر الصغير لا يمكن تسميته ربحاً بالمعنى العلمي، بل هو قيمة عمله التي أضافها للخضار عبر تصنيفها وتخزينها وإلخ. ومرة أخرى، فهذا الشكل لا يفسر جوهر التبادل الذي يزيد فيه الكم بين البداية والنهاية، فالتبادل هنا لا يزال قائماً بين متعادلات.

1066-27

ن1 - ب - ن2 (رأس المال)

يظهر هذا الشكل بصورته الأساسية ضمن دورة كاملة لعملية إنتاجية، ولنأخذ مثالاً مبسطاً هو: ورشة لتصنيع السترات يعمل فيها 10 عمال.
يستثمر صاحب الورشة كمية من النقد هي ن1 ضمن ورشته التي تصنع السترات وتبيعها في السوق بقيمة ن2 التي هي أكبر من ن1، والفرق بينهما هو الربح. ولنبدأ بمعالجة هذا المثال بالتدريج...
بداية، لننظر إلى الكيفية التي يصرف بها صاحب الورشة استثماره، أي الـ ن1. سنجد أنّ هنالك نوعين أساسيين من المصروفات يسميان اصطلاحاً رأس المال الثابت (C)، ورأس المال المتغير (V)، وهما:
1- رأس المال الثابت (C): يتضمن ما يدفعه صاحب ورشة السترات ثمناً لآلات وأدوات العمل، وللبناء ولمستلزمات الإنتاج بما فيها المواد الخام كالأقمشة وغيرها، وبكلمة: ما يدفعه صاحب الورشة ثمناً للبضائع (الميتة)، أو لـ (العمل القديم المتراكم) ... رأس المال الثابت هذا يتم شراؤه في سوق البضائع.
2- رأس المال المتغير (V): لتبسيط المسألة سنقول: إنه يُعبر عن أجور العمال العشرة (علماً أنّ هذا التحديد غير دقيق، وسنعود لتدقيقه لاحقاً)... وبكلمة: ما يدفعه صاحب الورشة ثمناً للبضاعة (الحية)، لـ(العمل الجديد). رأس المال المتغير يتم شراؤه في سوقٍ مختلفٍ تماماً عن سوق البضائع، هو سوق العمل.
فهم الفرق بين السوقين اللذين يتم فيهما شراء كل من (C) و (V) هو أمرٌ مهم جداً لنعرف مصدر الربح، أي مصدر الزيادة في النقد بين بداية الدورة ونهايتها؛ بالنسبة لسوق البضائع، وكما أشرنا سابقاً، فإنّ التبادل يتم على أساس المتعادلات، ولذا فإنّ شراء ثم بيع أي كمٍ من البضائع ليس من شأنه أن يحقق أي ربح. وإذاً، فإنّ الزيادة تحدث في الجزء الخاص بسوق العمل، والذي يحتاج منا وقفة خاصة معه.

سوق العمل

هو السوق الذي تعرض فيه بضاعة من نوع خاص جداً، بضاعة اسمها (قوة العمل). وكما كل البضائع الأخرى لها وجهان: قيمتها، وقيمتها الاستعمالية.
القيمة الاستعمالية لقوة العمل: منفعة قوة العمل هي في قدرتها على خلق قيم استعمالية جديدة، أي في قدرتها على دمج مجموعة من القيم الاستعمالية القديمة عبر عملية العمل لإنتاج قيمة استعمالية جديدة. قد يبدو التعبير السابق صعب الفهم، لكنه بسيط في جوهره، مثلاً: العامل الذي يقوم بصنع السترة يدمج القماش والآلة والبناء والطاقة وأدوات العمل المختلفة ضمن ورشة تصنيع السترات، وينتج منها سترة، قيمة استعمالية جديدة ليست موجودة في أي من القيم الاستعمالية التي استخدمها لصنعها، ولكنه عبر عملية العمل قام بصهرها جميعها لإنتاج السترة، لإنتاج القيمة الاستعمالية الجديدة.
المواد الأولية التي استخدمها العامل في إنتاج السترة، يمكن تسميتها بأنها (العمل الميت) أو (العمل القديم المتراكم)، لأنها هي نفسها لم تصل إلى يده إلا بعد أن بذل بشرٌ آخرون عملاً عليها حتى وصلت إلى بداية عملية الإنتاج التي يقوم بها هذا العامل؛ مثلاً: الآلات المستخدمة، وكذلك القماش والبناء الذي يتم العمل ضمنه وإلخ، كلها بضائع بُذلت عليها كميات عمل سابقة حتى وصلت إلى بداية عملية العمل الجديدة.
بهذا المعنى، فإنّ القيمة الاستعمالية لقوة العمل، هي أنها تدمج (العمل الميت) أو (القديم المتراكم) مع (العمل الحي) أو (العمل الجديد)، لإنتاج قيمٍ استعمالية جديدة.
قيمة قوة العمل (V): ما أسميناه أعلاه رأس المال المتغير (V)، هو بالذات قيمة قوة العمل. وهي بشكل مبسط قدرة العامل على القيام بالعمل. ولكي يكون العامل قادراً على العمل، فإنه بحاجة للطعام والمسكن والعلاج والتزاوج وإلخ، وإذا كان عمله ذهنياً (مثلاً إذا كان يعمل كمصمم غرافيك) فإنه يحتاج إضافة إلى هذه الأمور أن يتغذى ثقافياً وروحياً (قراءة، سينما... إلخ) لكي يتمكن من مواصلة العمل والإنتاج. وبما أنّ قيمة كل بضاعة تتحدد بعدد ساعات العمل الضروري اجتماعياً لإنتاجها، فإنّ قيمة قوة العمل تتحدد أيضاً بعدد الساعات الضروري اجتماعياً لإنتاج غذاء تلك القوة (المادي والروحي).
قيمة العمل: علينا أن ننتبه إلى فرق هام جداً بين قيمة قوة العمل وبين قيمة العمل؛ فكما أشرنا سابقاً، فإنّ قيمة قوة العمل تتحدد بما يسمح بتجديدها، أي بمجموعة الضرورات التي يحتاجها العامل لكي يتمكن من العمل مجدداً. بالمقابل، فإنّ قيمة العمل تتحدد بعدد الساعات الفعلي التي يعملها العامل... والفرق بين هذه وتلك هو المصدر الأساسي لكل أنواع الربح.

قانون القيمة

يمكن أن نعبر عن قيمة السترة بناءً على ما سبق، بعدة أشكال هي ذاتها في الجوهر:
قيمة السترة = قيمة العمل الميت + قيمة العمل الحي
قيمة السترة = قيمة العمل القديم المتراكم + قيمة العمل الجديد
قيمة السترة = رأس المال الثابت + (قيمة قوة العمل + القيمة الزائدة)
قيمة السترة = رأس المال الثابت + (رأس المال المتغير + القيمة الزائدة)
W = C + V + m

في الحلقة القادمة:
يوم العمل... كيف نفهم قانون القيمة بشكل أفضل
الربح1
العرض والطلب... السعر والقيمة
الربح2

معلومات إضافية

العدد رقم:
1066
آخر تعديل على الإثنين, 18 نيسان/أبريل 2022 14:27