افتتاحية قاسيون 1066: كهربة البلاد!
إنّ عدم التعامل مع أزمة الكهرباء كأولوية، يرقى إلى مستوى انعدام المسؤولية الوطنية، وذلك لأنه يساهم بشكل فاعلٍ في تجريف البلاد من أهلها، وفي تكريس التقسيم، وفي التدهور الإضافي لمستويات المعيشة، وفي خطط الصهيوني اتجاه البلاد وأهلها...
واقع الحال في معظم المناطق السورية، هو أنّ ساعات الوصل الكهربائي هي بحدود 4 ساعات في الـ24 ساعة، أي بنسبة 17% من اليوم. وفي المدن والمناطق الصناعية بحدود 10 ساعات وصل، أي بنسبة 42% من اليوم. وفي بعض مناطق سورية ازدهرت تجارة الأمبيرات وبأسعار تزداد بشكل مستمر، ما يعني أننا في سورية نعيش تحت خط الفقر الطاقي، ناهيك عن التقديرات بأنّ أكثر من 12 مليون سوري يعيشون حالة انعدام أمن غذائي...
الوضع الكهربائي ليس مجرد مأساة أخرى تضاف إلى جملة المآسي التي يعيشها السوريون؛ فلهذه المسألة أبعادها الخطيرة التي تهدد أمن البلاد ومستقبلها ووحدتها، بل وحتى وجودها، ويظهر ذلك جلياً في الإحداثيات التالية:
أولاً: انقطاع الكهرباء بالشكل الذي يجري فيه في المدن والمناطق الصناعية، وفي المناطق السكنية التي هي نفسها تعج في الحالة السورية بالورش المتوسطة والصغيرة، يعني انقطاع الإنتاج، ويعني المساهمة المباشرة في رفع تكاليفه. ينسحب هذا الأمر أيضاً على قسم هامٍ من الأنشطة الزراعية، سواء بشكل مباشر أو عبر رفع مختلف التكاليف الداخلة فيها، وكذا الأمر مع الصناعات التحويلية المشتقة منها. وبكلمة، فإنّه في عالم اليوم لا يمكن أن يكون هنالك اقتصاد منتج دون كهرباء.
ثانياً: رفع تكلفة، وعملياً تخسير، القطاعات المنتجة الصناعية والزراعية، يعني فتح الباب موضوعياً، ودفع الناس دفعاً، نحو شتى أشكال الاقتصاد الأسود والإجرامي، بما في ذلك الحبوب المخدرة والإتجار بالبشر بشتى صوره. أي أنّ الوضع الكهربائي المتردي القائم، قد تحول مع الوقت إلى أساسٍ ثابت لتدمير المجتمع بأسره، مادياً وروحياً.
ثالثاً: عمليات قطع الكهرباء بالشكل الذي تتم فيه، يعبر أيضاً عن استكمال عمليات رفع الدعم، والتي تندرج في توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين.
رابعاً: التفاوت في الوصل والقطع بين المناطق السورية المختلفة، وخاصة بين المناطق الخاضعة لسيطرات مختلفة، يتحول إلى أداة في تكريس تقسيم الأمر الواقع.
خامساً: الوضع الكهربائي ونتائجه الاقتصادية والاجتماعية، تحول مع الوقت إلى أداة إضافية في عملية تطفيش الشعب السوري من سورية، وفي عملية تجريف سورية من سكانها، وما لا ينبغي أن يغيب عن البال في هذا السياق، هو أنّ تجريف سورية من أهلها هو أحد الاستهدافات المعلنة، ومنذ عقود طويلة، للصهيونية العالمية، بوصفه «أفضل السبل» لإنهاء الموقف السوري من الكيان، ناهيك عن مشاريع الكيان المعلنة والمعبر عنها وضوحاً في كتاب «الشرق الأوسط الجديد» لشمعون بيريز، والهادفة لتفريغ كامل المنطقة من الكهرباء وإنتاجها، لربطها بالكيان كهربائياً وطاقياً.
الحلول ممكنة، ومتعددة، وهي قطعاً ليست ما يسمى «خط الغاز العربي» الذي يعدنا المروجون له ببضع دقائق وصلٍ إضافية في اليوم، ويتجاهلون كل معانيه السياسية والوطنية.
يتطلب الحل تأمين الموارد اللازمة له داخلياً (وهي موجودة في جيوب الحرامية الكبار بشكل خاص)، وتخصيصها للحل. ويتطلب كذلك تأمين تعاون خارجي جاد يناسب البلاد سياسياً واقتصادياً.
وكما كل الأمور العالقة في سورية دون حل، فإنّ المطلوب هو توفر الإرادة السياسية الفعلية لحلها، والتي بات أكثر من واضح، أنها لن تتوفر إلا عبر تغيير جذري شامل مفتاحه هو التنفيذ الكامل للقرار 2254
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1066