حمزة منذر: نحو بنية سياسية جديدة
أجمع المتكلمون بالأمس واليوم على قضيتين اثنتين وهما:
إن ما تشهده بلادنا اليوم هو أزمة وطنية عميقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والثانية ضرورة الوصول إلى صياغة وإقرار دستور جديد لأن الدستور الحالي تحوّل إلى جزء من المشكلة ويتناقض مع الإصلاح الجذري والشامل الذي تتطلبه المرحلة الراهنة ومقتضيات المستقبل المنظور على الأقل.
عندما نعترف جميعاً بوجود أزمة وطنية عميقة، هذا يعني أن ما لم تصل الإجراءات والحلول وطرق المعالجة إلى العمق نفسه ، فإن الأزمة ستطول وستأخذ أبعاداً أخطر بكثير مما وصلت إليه حتى الآن وهذا ما يهدد الوحدة الوطنية بأكبر الأخطار.
إذا كان لهذا اللقاء التشاوري أن ينجح ويساهم في رسم وصوغ الحلول الحقيقية للخروج الآمن من الأزمة، لابد أن نسمي الأشياء بأسمائها دون أية مجاملات أو تسويق أو ترهيب من أحد على الآخر.
سأتوقف في مداخلتي القصيرة هذه عند سؤال: لماذا نحن بحاجة إلى دستور جديد؟
إن البنية السياسية القائمة في سورية والمشرعنة عبر الدستور الحالي أثبتت أنها تعاني من عيوب كثيرة تجاوزها الزمن موضوعياً وخصوصاً بعد انفجار الأزمة في البلاد.
ومن هنا لابد لهذا اللقاء أن يتوصل إلى توافق بأن الوصول إلى بنية سياسية جديدة في سورية أصبحت ضرورة وطنية عليا لا تحققها أية تعديلات دستورية كالتي يجري الحديث عنها لأن المسألة أصبحت أكبر وأعمق بكثير من المادة /8/.
ويجب ألا يفوت الجميع أن الدستور الحالي صيغ قبل أربعين عاماً، ومنذ ذلك الحين جرت في سورية والمنطقة تغيرات كبرى وجذرية (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً).
وهذا يجعل الجميع أمام استحقاق وطني كبير لا يجوز لأية قوة سياسية أن تتجاهله مهما كان موقعها في السلطة أم في المعارضة، ألا وهو صياغة وإقرار دستور عصري وجديد، يعبر عن المرحلة القائمة حالياً للسير نحو المستقبل ويسمح بانبثاق جديد للبنية السياسية المطلوبة والتي تسمح بفصل السلطات وتحول دون تغوّل السلطة التنفيذية بكل أجهزتها العلنية والمخفية على السلطتين التشريعية والقضائية، وفي حقيقة الأمر الشعب يريد دستوراً جديداً أهم ما فيه:
1 ـ تعزيز الوحدة الوطنية عبر ترسيخ أسس الدولة الوطنية الجامعة وعلى رأسها وحدة الجيش والشعب دفاعاً عن كرامة الوطن والمواطن.
2 ـ تأمين حقوق المواطنة الكاملة والمشاركة الكاملة لجميع أبناء الوطن دون أي تمييز على أساس الدين أو القومية أو الجنس أو الانتماء الحزبي، بل على أساس ترسيخ المساواة في جميع المجالات والمناصب الرسمية بمختلف مستوياتها.
3 ـ الضمان الفعلي لكل الحقوق وخصوصاً الحريات السياسية وعدم التطبيق عليها باستثناء من يخرج عن الثوابت الوطنية عبر حكم قضائي صادر عن سلطة قضائية مستقلة فعلاً عن أي حزب يدير الحكم.
4 ـ ترسيخ وقوننة دور المجتمع في الرقابة على جهاز الدولة والأحزاب لتحقيق مبدأ: «إن الشعب مصدر كل السلطات».
5 ـ تفعيل دور الإعلام الوطني بحيث يتحول فعلاً إلى «سلطة رابعة» قادر على فضح الخلل وكل أشكال الفساد وفي أي موقع كان وعند أية جهة كانت، وبذات الوقت يلعب دوره المطلوب في تعزيز الثقافة الوطنية الجامعة التي تعزز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعية بعيداً عن التعصب والكراهية.
6 ـ إعطاء خيار المقاومة الشعبية مشروعية دستورية ليس لتحرير الجولان وبقية الأراضي المغتصبة فقط، بل لتعبئة قوى المجتمع على الأرض لمواجهة المخططات العدوانية للامبريالية والصهيونية ضد بلدنا ومنطقتنا.
7 ـ ترسيخ المكاسب الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية المحققة في المرحلة السابقة لأنها جاءت بفضل جهود ونضال وعرق الشعب السوري والمطلوب تجاوزها كثيراً نحو الأمام وليس الإجهاز عليها في الدستور الجديد كما ترغب بعض القوى الطبقية الفاسدة والتي تتهيأ منذ زمن لشرعنة نهبها للدولة والمجتمع معاً.
إن ما يجري الآن في بلادنا من حركة ونقاش يشير إلى مضمون وجوهر الدستور الجديد.
إن البدء بالمعالجة وعدم وضع الحلول من أية جهة كانت يعني تكريس الأزمة وعدم حلها والسماح باستمرارها وهذا ما يريده أعداء الخارج مع امتداداتهم في الداخل وخصوصاً قوى الفساد بكل أشكاله لأنهم بوابات العبور للعدوان الخارجي.