الحوار الوطني ضروري للدفاع عن حقوق ومكاسب الطبقة العاملة السورية

لا أحد يستطيع أن ينكر أن ما أصاب الطبقة العاملة وحقوقها ومكاسبها من تراجع كان كبيراً ومؤثراً على صعيد تدني مستوى حياتها المعيشية، وهذا تؤكده الوقائع والدراسات والأرقام الإحصائية الصادرة عن مصادر حكومية وغير حكومية، وجميعها تصر على انخفاض الأجور الحقيقية للطبقة العاملة بالرغم من الزيادات في الأجور التي حصلت خلال عقدين من الزمن وبفترات متباعدة، حيث لم تستطع تلك الزيادات سد الفجوة الكبيرة بين الأجور والأسعار،

مما أدى إلى تدنّ مستمر في مستوى معيشتها، والزيادة في إفقارها، بالوقت الذي تؤكد المصادر نفسها على تمركز هائل للثروة في أيدي قلة قليلة من الأغنياء، أصحاب الشركات القابضة وغيرهم من المستثمرين، الذين تركزت استثماراتهم بجلها في الاقتصاد الريعي، الذي يأخذ ولا يعطي، بل يستنزف البلاد والعباد.

إن ما دعانا إلى هذه المقدمة هو بيان الاتحاد العام لنقابات العمال الذي صدر عقب انتهاء اللقاء التشاوري للحوار الوطني، الذي عقد من أجل الوصول إلى تفاهم مشترك بين الأطراف المتحاورة، وإلى الآليات الضرورية لإنجاح الحوار والوصول بالبلاد إلى بر الأمان الذي يجعل سورية قوية مقاومة للمشاريع الاستعمارية، وبالاعتماد الكلي على طاقات شعبنا الجبارة، عبر تأمين الحقوق المشروعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

جاء في بيان الاتحاد العام لنقابات العمال: «إن ما جرى خلال اللقاء التشاوري من تجاهل لمسيرة البناء والتنمية التي يتشارك فيها العمال والفلاحون وفئات شعبنا كافة، ليمثل في هذا الوقت خروجاً حقيقياً عن إرادة الشعب الذي تفاجأ بسماع طروحات البعض ممن حضروا اللقاء، والذين منحوا أنفسهم حق الخطاب بشكل يناقض تطلعات الجماهير التي كانت تنتظر سماع قضايا مصيرية وليست محاولات للالتفاف على رغبات القواعد الشعبية وإقصائها».

سننطلق في نقاش البيان من نقطتين أساسيتين:

الأولى: أن هذا اللقاء هو تشاوري، أي المطلوب من هذا اللقاء هو سماع كل وجهات النظر المختلفة والمتفقة، التي هي نتاج أزمة عميقة في المجتمع تتطلب معالجتها صراع وجهات النظر المختلفة على طاولة الحوار، بدلاً من صراعها في أماكن أخرى ستفضي إلى نتائج لا تُحمَد عقباها على البلاد وعلى الشعب السوري، وهذا ما تريده كل القوى المعادية الداخلية والخارجية التي تسعى إلى إطلاق النار على الحوار والمتحاورين، لإجهاض خطواته الأولى ونتائجه التي قد يصل إليها، بأن تكون سورية قوية بوحدتها الوطنية التي هي الأساس في الحفاظ على دورها كمقاومة وممانعة للمشاريع الامبريالية الصهيونية.

وهنا لابد من التمييز بين موقفين معارضين، الأول معارض لكل أشكال النهب والتدخل الخارجي من أجل الإصلاح السياسي الجذري الذي يؤمن الخروج من الأزمة العميقة التي تجتاح البلاد، والموقف المعارض النقيض الذي برنامجه الأساسي ليس الخروج من الأزمة بل تعميقها، مستخدمين كل الطرق والوسائل لتحقيق ما هو مطلوب منها خارجياً، وهذا الموقف لابد من مواجهته وعزله عن الحراك الشعبي السلمي، الذي لديه مطالب مشروعة ومواقف وطنية لا يرقى إليها الشك، حيث هتف المتظاهرون بالوحدة الوطنية ووحدة الشعب والجيش الذي هو رمز هذه الوحدة الوطنية وقوتها الضاربة في الدفاع عن الوطن وتحرير الجولان والأراضي المحتلة، والاقتراب من هذه المسلمات لا يمكن إلا أن يصب في خانة الخيانة الوطنية، حيث الحراك الشعبي السلمي بريء منها.

الثانية: حيث جاء في الموقف الختامي للبيان أن الاتحاد العام لنقابات العمال «يرفض أي حوار يمس بالمكتسبات والإنجازات التي تحققت لجماهير شعبنا وعمالنا ومنظماتنا الشعبية ونقاباتنا المهنية، ويعتبره محاولة لنسف كل مقومات الدولة التي بناها العمال والفلاحون والحرفيون وصغار الكسبة وكافة القوى المنتجة بسواعدهم».

نؤكد اتفاقنا مع بيان الاتحاد العام حول ضرورة بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي ينشدها الشعب السوري، هذه الدولة المنشودة التي ستبقى محافظة على المكتسبات التي كانت تجري محاولات التفريط بها من خلال النهج الاقتصادي الليبرالي للحكومات السابقة، وخاصة حكومة العطري وفريقها الاقتصادي، حيث عملت هذه الحكومة على التفريط بأهم منجزين للشعب السوري والطبقة العاملة وهما القطاع العام (الصناعي، الزراعي)، والأجور الحقيقية للعمال ومستوى معيشتهم لمصلحة أصحاب الثروات وأصحاب الشركات القابضة والفاسدين الكبار داخل جهاز الدولة وخارجها، وهذا ما كان يطرحه الكثير من النقابيين في المؤتمرات والاجتماعات النقابية ويتخوفون من نتائج تلك السياسات على الاقتصاد الوطني ومصالح الشعب السوري، وكانت تخوفاتهم مشروعة ومحقة، لأن الكوادر العمالية والنقابية تستشعر الخطر المحدق مبكراً، لصلتها المباشرة بالحياة اليومية السياسية والاقتصادية للعمال، ومن هنا تأتي مشروعية تخوفاتهم التي كانت تجابَه في الكثير من الأحيان لخلافها مع ما تسلكه الحكومة وتقوم به من خطوات تصب في صالح القوى الناهبة، وعلى النقيض من مصالح الشعب السوري.

إن القول بعدم الاشتراك في أي حوار قادم يتناقض مع مقدمة البيان في تأكيده على الدولة المدنية والديمقراطية، ومع البيان الختامي للقاء التشاوري الذي كان حصيلة توافق لجميع ما طُرح من وجهات نظر وأفكار ومواقف، حيث أكد في بعض بنوده على:

1ـ الحوار هو الطريق الوحيد الذي يوصل البلاد إلى إنهاء الأزمة.

2ـ إن المعارضة الوطنية جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري.

3ـ إن توجه اللقاء هو من أجل إقامة دولة الحق والقانون والعدالة والمواطنة والتعددية والديمقراطية التي تعتمد صناديق الاقتراع أساساً للتفويض السياسي.

4ـ إن سورية وطن للجميع، وهي بلد التعددية بأنموذجها الأمثل.

5ـ تطبيق مبدأ سيادة القانون وإنفاذه بحق كل من ارتكب جرماً يعاقب عليه القانون، ومحاسبة الجميع دون استثناء.

6ـ تسريع آلية مكافحة الفساد.

إن الحركة النقابية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التمسك بما جاء في البيان الختامي للقاء التشاوري، لأن ذلك يجعلها أكثر استقلالية في موقفها وخطابها النقابي وبرنامجها المطلبي، الذي من المفترض أن يكون مدافعاً حقيقياً عن مصالح ومكاسب الطبقة العاملة، التي اكتوت كثيراً بنار السياسات الليبرالية الاقتصادية ونتائجها الكارثية على حقوقها، والتي كانت نقطة البدء بالهجوم عليها من جانب تلك السياسات، وفقاً لتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث جعلت نصيب الأجور لا يتعدى %20 من الدخل الوطني، والـ%80 لمصلحة الأرباح ، والمطلوب إعادة توزيع الثروة بشكل عادل بين الناهبين والمنهوبين، وهذا يتحقق فقط بوجود دولة وطنية مستقلة، مدنية وديمقراطية.

آخر تعديل على الأربعاء, 12 تشرين1/أكتوير 2016 22:16