الفقر أساس كل علة
سمعت قولاً مأثوراً يجري تناقله وذكره دائماً يقول: «البرد أساس كل علة، أما البرد فسببه الإنكليز». إنّ مشكلة الفقر في البلاد لا تنحصر عند العاطلين عن العمل فحسب، بل هي عملية إفقار اجتماعي عام مرتبط بسوء توزيع الثروة الوطنية، وعملية الإفقار هذه تستفيد منها قوى بعينها، حيث ما زال القرار الاقتصادي والسياسة الاقتصادية في خدمة مصالح هذه القوى.
وتتفق العديد من الدراسات الاقتصادية على بعض مؤشرات الفقر، منها قياس الفقر مقارنة بحصة الإنفاق على وسائل العيش الضروري من الدخل من خلال حد لا يتجاوز 60% من الدخل على وسائل العيش الضرورية، من غذاء وكساء بالدرجة الأولى. ولن نكون مبالغين إذا قلنا إنّ كل العاملين بأجر في القطاع المنظم لدى الدولة والقطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أدنى من مستوى الحد الأدنى للمعيشة، وهذا الدخل لا يكفي الاحتياجات المطلوبة للغذاء فقط.
وهذا ينطبق كذلك على العاملين بأجر في القطاع غير المنظم والحرفيين والعاملين لحسابهم الخاص، نتيجة انخفاض سوية الأجور، حيث حدها الأعلى لا يصل إلى الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة. وبالمناسبة، إن القطاع غير المنظم يشمل ما يزيد عن 40% من قوة العمل، وهم ليسوا أحسن حالاً من العاملين في القطاع المنظم سواء في قطاع الدولة أو القطاع الخاص، بل أسوأ حالاً من حيث مكان العمل وشروط العمل وساعات العمل والأجور أيضاً.
يجري هذا في الوقت الذي تعمل فيه السلطة القائمة ما بوسعها لتحميل الطبقة العاملة وكل الكادحين والعاملين بأجر تكلفة الخروج من هذه الأزمة التي خلفتها السلطة السابقة، من خلال تسريح عشرات الآلاف من العمال ورميهم على قارعة الطريق تحت ذريعة فلول السلطة السابقة والأعباء المالية المترتبة على ذلك.
إن من أولى الحقوق التي أقرتها الشرائع الدولية الحق في العمل، ويعتبر العمل حقاً لكل فرد في المجتمع ولا بد أن يتمتع بهذا الحق، وهو لا يقل أهمية عن غيره من الحقوق الأساسية للإنسان، حيث جاء في المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «1- لكل شخص حق العمل، وفي حرية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة».
وكل الدراسات التي صدرت عن مختلف مراكز الدراسات الإحصائية حول نسبة البطالة في سورية، تتفق جميعها على أنها مرتفعة وازدادت ارتفاعاً خلال سنوات وجود السلطة البائدة التي ضربت مختلف القطاعات: الإنتاجية من صناعة وزراعة، والخدمية من موصلات وصحة وتعليم وغير ذلك. فقد وصلت نسبة البطالة إلى 50% من قوة العمل حيث دلت على ذلك معظم هذه الدراسات، والبطالة تعني انعدام الدخل وبالتالي الفقر بشكل عام.
وقد تبنت منظمة العمل الدولية خلال دراساتها الإحصائية الدولية هذه الأرقام، وتم تصنيف سورية من قبل هذه المنظمة ضمن أوائل الدول في نسب البطالة المرتفعة. وعودة على بدء نقول إنّ الفقر أساسٌ لكل علة اجتماعية، أما الفقر فسببه الأساس سوء توزيع الثروة الوطنية.
وهذا يعكس بكل وضوح مستوى الاستغلال والقهر الطبقي والفقر الذي تعاني منه الأغلبية الساحقة من المواطنين. حياة كلها بؤس ومعاناة وصراع من أجل العمل ولقمة العيش والسكن وتوفير الحد الأدنى من شروط الحياة والبقاء إنْ استطاعت إلى ذلك سبيلاً، في ظل البطالة والأزمة الخانقة وتخلّي الدولة عن مسؤولياتها الاجتماعية نحو المواطنين.
وبالمقابل نجد أنّ الحركة النقابية ما زالت تستجدي وتترجَّى من أجل الحصول على بعض المطالب الهزيلة، هنا أو هناك. لن يكون هناك خروج من مستنقع الفقر دون مواجهة حقيقية من أجل إعادة توزيع الثروة الوطنية بشكل عادل. وينبغي على الحركة النقابية امتلاك كل أدوات النضال الكفاحية والديمقراطية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1239