متى وكيف نضم عمال القطاع الخاص إلى النقابات (3)
من خلال مادتين سابقتين تحت عنوان «متى وكيف نضم عمال القطاع الخاص إلى النقابات»، طرحنا رأياً ينطلق من قراءة وتحليل الواقع الملموس لعمال القطاع الخاص بعلاقتهم مع المنظمة العمالية، وأضأنا على أسباب عدم نجاح الاتحادات ومن خلفها النقابات بمعالجة استمرار انكفاء عمال القطاع الخاص عن التنظيم النقابي، ونسبة المنضمّين تحت المظلّة النقابية التي تكاد أنْ تكون مجهريّة بالقياس لعدد هذه الشريحة الأكبر من الطبقة العاملة والمجتمع السوري. وحاولنا أيضاً وضع رؤية برامجيّة لإنجاح ذلك، منطلقة من الواقع والإمكانيّات وبخطوات وإجراءات موضوعية بل وبديهية، فالحصول على نتائج حقيقية تحقق الهدف المطلوب يستدعي العمل اليومي والمستمر وفق برنامج واضح ومرن، وهذا ما افتقده التنظيم النقابي والقوى الطبقية المعنية بالطبقة العاملة خلال عقود.
ورغم ورود بند «ضرورة التوجه لعمال القطاع الخاص وضم أكبر عدد منهم للنقابات» في كل مؤتمرات المنظمة واجتماعاتها وخطابها الإعلامي، لم يجد من يدفع به من التقارير والمنشورات الإلكترونية إلى أرض الواقع، حتى أصبح هذا الخطاب مفرغاً من مضمونه. وسنستكمل ونختم في هذه المادة الرؤية البرامجية التي تصلح لتكون منطلقاً لحوار واسع وشامل ينتج برنامجاً نقابياً أفضل من كل الرؤى والأفكار المطروحة على طاولة الحوار.
الخطوات الأربع الأولى
طرحنا في المادة السابقة أربع خطوات عملية وهي:
- استعادة الدور الوظيفي للتنظيم النقابي من خلال العودة للطبقة العاملة والعمل بين صفوفها، وتبني الديمقراطية الانتخابية لتقوية الجسد التنظيمي القادر على تنفيذ المهام من جهة، وإنهاء حالة الهيمنة وانتزاع الاستقلالية.
- إنشاء مقرات دائمة ومعلنة في التجمعات العمالية سواء تجمعات صناعية أو تجارية أو سكنية، لتكون مراكز تعريف وإعلام وتثقيف واستقطاب لعمال القطاع الخاص.
- الانخراط بالحياة السياسية والصراعات الطبقية من أجل الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة الوطنية منها والمعيشية والحقوقية الديمقراطية، وتثمير الوزن الكمي للعمال ضمن المجتمع إلى وزن نوعي وفاعل ومسؤول.
- تفعيل مركز الأبحاث العمالي وتطويره بما يتناسب مع الأهداف، وإعادة النشاط الإعلامي لمساره الصحيح المنسجم مع الاحتياجات البرامجية، ومنها إعادة إطلاق الجريدة العمالية ووسائط إعلامية أخرى تواكب الحداثة.
الإعداد النقابي والخدمات الاجتماعية والصحية
وأما الخطوات التالية فيأتي على رأسها الإعداد النقابي والفكري الخاص بعمال القطاع الخاص من خلال دورات المعهد النقابي في المحافظات والمركز، وتسليحه بمنهج دراسي وتثقيفي وازن، وإرفاده بمحاضرين من ذوي الكفاءات. وهذا كفيل بتشكيل النواة البشرية الفاعلة نقابياً وتنظيمياً، والتركيز على المنضمّين الجدد من كلّ القطاعات. بالإضافة لتفعيل وإحداث مراكز نشاطات اجتماعية ورياضية وفنية كنادي العمال الرياضي والمسرح العمالي، والاستفادة من استثمارات المنظمة من مطاعم ومقاصف ومنشآت سياحية وفتح أبوابها لعمال القطاع الخاص وأسرهم، لما له من دور كبير في تعزيز روح الانتماء الاجتماعي الطبقي. وكذلك تعزيز وتوسيع الخدمات الطبية من خلال المراكز والمشافي الصحية العمالية.
المساهمة النضالية والفعلية بملف الضرورات المعيشية
الدفع باتجاه توطين العمالة من خلال الضغط على مراكز القرار، ومن خلال البدء بإنشاء التجمعات السكنية العمالية من عائدات الاستثمارات الخاصة بالمنظمة ككل، والقروض المعفية من الفوائد، وصناديق المنظمة، لما لذلك من تأثير بالغ في تأمين أهم احتياجات العمال وتعزيز علاقتهم بالمنظمة النقابية. إنشاء التعاونيات العمالية التي تؤمن الاحتياجات الأساسية الأخرى من غذاء وكساء وغيرها، ويمكن أن يتم ذلك من خلال الإدارة النظيفة والذكية للموارد المالية. إضافةً لإنشاء دوائر قانونية مركزية وفرعية تؤمن الاستشارة القانونية والدفاع عن العمّال في المحاكم العمالية، إضافةً للتثقيف القانوني لعمال القطاع الخاص، وقيادة التنظيم النقابي في معاركه الحقوقية والقانونية الحالية والقادمة، ومنها مطلب إصدار قانون عمل موحَّد لعمال القطاع العام والخاص، وتطوير قانون التنظيم النقابي والتأمينات الاجتماعية، وجميع القوانين الأخرى التي تمس مصالح الطبقة العاملة. وإطلاق مراكز تدريب فنية ومهنية ترفع من كفاءة وفاعلية العمال في مجال عملهم، مما يسهم في تعزيز دورهم ومهاراتهم الفنية والمهنية.
ضرورة التمثيل التنظيمي لعمال القطاع الخاص
القيام بإجراءات تنظيمية جدّية تسهم في دمج عمال القطاع الخاص بالهيكل التنظيمي للمنظمة وفق نهج ديمقراطي يضمن تمثيلهم في المستويات والهيئات التنظيمية كافةً، بما يتناسب مع نسبة حضورهم وأهمية دورهم، والحفاظ على ذلك، دون تحويل ذلك لصور شكلية غير فاعلة. والاستفادة من هذا الإجراء لتعزيز وحدة الطبقة العاملة واستقلاليتها ودورها، كون عمال القطاع الخاص أكثر تحرراً من قيود الأنظمة الحكومية والتكلس البيروقراطي الذي أصاب القطاع العام وانتقلت عدواه للمنظمة النقابية منذ عقود. وبمجرد تمثيل وازن لعمال القطاع الخاص بالهيئات التنظيمية والقيادية، حكماً سينعكس ذلك سريعاً على إنعاش العمل التنظيمي وتسريع الدورة الدموية به، وتحسين الاتصال والسلوك التنظيمي لمستويات عالية ومفيدة، وسيعيد بالوقت نفسه الحياة السياسية للمنظمة، كون عمال القطاع الخاص أكثر تنوعاً من ناحية الانتماء أو الاصطفاف السياسي، والحركة النقابية في أمسِّ الحاجة لرفع النشاط السياسي كجزء من المجتمع السوري المحتاج لها.
الرؤى البرامجية والحوار والعمل
إنّ محاولة وضع رؤية برامجية من أي جهة كانت ستصب حتماً في صالح الحركة النقابية وحتى السياسية، وستكون بمثابة الحجر المرمي في المياه الراكدة. وفي مثل هذه المرحلة التي تمر بها البلاد، تبرز أهمية استعادة الروح والنشاط للمنظمات والأحزاب والقوى المجتمعية، وهذا التدافع الطبقي والسياسي موضوعي لا يمكن إلغاؤه أو القفز فوقه، بل يجب التعامل معه على أساس الاستفادة منه كعملية تفاعلية تصب في المصلحة العليا للجميع، من خلال الحوار المنفتح والصراع الفكري والنضالي المنضبط، بعيداً عن محاولات التفرد والإقصاء ومصادرة القرار. فالعمل بعقلية الاحتواء وخداع النفس بالقدرة على السيطرة سيؤدي لنتائج عكسية تضر بمصلحة الجميع. وكما أسلفنا سابقاً، فإن الطبقة العاملة هي أغلبية طبقية يجري رسم خطوط وهمية تمنع وحدتها وتشتت قواها، وهذا لا يصب إلّا في مصلحة ناهبي البلاد الذين لا يهمهم وطن أو شعب. من هنا تأتي أهمية أنْ تقوم جميع القوى المعنية بالطبقة العاملة بطرح رؤاها وبرامجها وحملها لغرف الحوار، للخروج برؤية وبرنامج موحد يضمن المصالح العليا للوطن والسوريين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1239