تسريح مئات العمال من القطاع الخاص
إن تسريح المئات، بل الآلاف من عمال القطاع الخاص، يعد كارثة حقيقية تصيب المسرَّحين والمجتمع معاً، حيث أخذت تتفاعل قضية المسرحين بشدة مؤخراً، وتأخذ حيزاً هاماً من النقاش داخل الحركة النقابية وخارجها،
وذلك من أجل إيجاد الحلول العاجلة لهذه القضية لكي لا تتحول إلى أزمة عامة تضاف إلى حزمة الأزمات المتراكمة التي صنعتها أيد آثمة همها الحفاظ على مصالح أصحاب الثروات والأغنياء، تحت حجج ومبررات ما أنزل الله بها من سلطان، كتشجيع الاستثمار وغيره، والذي لم تر من كل تلك المسوغات ما هو نافع ومفيد في تشغيل اليد العاملة وتقليص جيش العاطلين عن العمل، لأن الاتجاه العام الذي أخذه المستثمرون في استثمار أموالهم هو الاستثمار في الاقتصاد الريعي، الذي لا يشغّل عمالة كثيفة، ولا يسهم في تحسين نسب النمو الضرورية للتنمية الحقيقية، بل بالعكس، يعمل على تحقيق الأرباح الطائلة التي تُهرَّب مرة أخرى إلى الخارج، وبهذا يخسر الوطن ويخسر المواطن جراء عدم الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي الزراعي والصناعي، الذي يولد قيمة مضافة تساهم في زيادة الدخل الوطني، وبالتالي تحسين المستوى العام للأجور بشكل يتناسب مع الأسعار التي هي بارتفاع مستمر.
إن اللافت للنظر مؤخراً لجوء الكثير من أرباب العمل في القطاع الخاص الصناعي والسياحي لتسريح أعداد متزايدة من العمال، جزئياً أو كلياً، وعند لجوء العمال وتوجههم للجهات الوصائية والنقابات شاكين إليهم أوضاعهم التي وصلوا إليها، فإنهم يصطدمون بجدار من الوعود التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فأرباب العمل متمترسون في موقفهم بعدم إعادة العمال المسرحين إلى العمل تحت حجة الأزمة الحالية، وعدم قدرتهم المالية بالإبقاء على العمال في معاملهم ومنشآتهم، وأن هذا سيسبب لهم خسائر لا طاقة لهم بها، والعمال أيضاً مصرون على عودتهم إلى العمل لأن في ذلك دفعاً لبراثن الجوع والتشرد لهم ولعائلاتهم، كما حصل لآلاف من الفلاحين حين هجروا قراهم وأراضيهم نتيجة رفع الدعم عن المازوت، باحثين عن عمل يسد رمقهم في المدن والبلدان المختلفة التي لجؤوا إليها طلباً للعمل تحت ظروف قاسية وقاهرة.
لقد نوهنا كثيراً في أعداد سابقة من جريدة «قاسيون» إلى المخاطر الاجتماعية والاقتصادية التي تتولد عن تسريح العمال في هذه الظروف، وطالبنا الحكومة والنقابات بإيجاد الحلول الكفيلة التي تضمن حقوق العمال في العمل، وبالوقت نفسه دعم الشركات المتعثرة لأجل استمرارها ومواصلتها الإنتاج الذي يساهم ويلعب دوراً مهماً في الحفاظ على تماسك الاقتصاد الوطني وعدم إضعافه، كما يطرح الكثير من الأعداء الطبقيين المرتبطين بأجندات خارجية، ولكن كانت تصريحات العديد من المسؤولين بإنكار وجود التسريحات بحق عمال القطاع الخاص، أنهم عملوا كما تعمل النعامة بدفن الرأس في التراب، مع العلم أن جريدة تشرين قد نشرت على صفحاتها تقريراً صادراً عن مؤسسة التأمينات الاجتماعية يفيد بتسريح ما يقارب الـ41 ألف عامل منذ بداية عام 2011 حتى نهاية شهر أيار في أنحاء البلاد، وكذلك نشرت جريدة (البعث) في ملحقها يوم الأربعاء بتاريخ 20/7/2011 تحقيقاً مطولاً عن عمال مسرحين من أحد معامل القطاع الخاص في دمشق، والبالغ عددهم 34 عاملاً، دون تعويضات أو أية حقوق أخرى نص عليها قانون العمل رقم 17 لعام 2010، هذا القانون الذي طالبْنا، وكذلك طالب عمال القطاع الخاص بضرورة تعديله بما يحافظ على حق العمال في العمل، وعدم تسريحهم تسريحاً تعسفياً، لأن هذا القانون قد تعامل مع العمال وفقاً لشريعة الغاب، حيث القوي يأكل الضعيف، وهذا ما هو جار مع عمال القطاع الخاص.
إن النضال من أجل تعديل قانون العمل يلقى إجماعاً كبيراً من جانب العمال والعديد من النقابيين الذين خبروا مخاطره، وإن الاستمرار في الدعوة لتطبيقه كما هو، يعني المزيد من الفرقة بين العمال والنقابات التي وافقت عليه أثناء التصويت، وتدعو الآن لتطبيقه، والجميع يعرف الظروف التي أحاطت بطرحه وإخراجه كما هو الآن، رغم المعارضة الواسعة لإقراره من كل الغيورين على مصالح الطبقة العاملة ومستقبلها.
■