الاتحاد العام لنقابات العمال يعقد مجلسه الثاني: النَّقابات.. استياء عارم من سياسات الفريق الاقتصادي

طغت مئات القضايا العمالية والمطلبية للطبقة العاملة السورية على فعاليات المجلس الثاني لاتحاد نقابات العمال، الذي انعقد مؤخراً بدمشق، بحضور أعضاء المجلس وأعضاء المكتب التنفيذي ورئيس مكتب العمال والفلاحين القطري..

ويأتي انعقاد المجلس الثاني للاتحاد في ظل التدهور الكبير الذي طرأ على أوضاع الطبقة العاملة السورية سواء في القطاع العام أو الخاص بسبب السياسات الليبرالية التي تنتهجها الحكومة، حيث أدت طوال السنوات القليلة الماضية إلى موجات غلاء مستمرة، تجلت في ارتفاعات متتالية وكبيرة لأسعار معظم المواد الغذائية، المرتبطة مباشرة بالحاجات اليومية للناس، والمفارقة أن كل ذلك حدث وما يزال يحدث، مع ثبات في أجور العمال والموظفين، وتراجع القيمة الشرائية لليرة السورية..

وكانت الكوادر النقابية قد عبرت في جميع مؤتمراتها عن استيائها وغضبها من إعراض الحكومة عن مطالب ومعاناة الطبقة العاملة وخاصة في تجميد أجورها، والانتقاص من حقوقها التي نص عليها قانون العمل /50/، والقانون (91 لعام 1959)، وهذا ما عبر عنه رئيس الاتحاد العام بحضور الفريق الاقتصادي بقوله: (إن تكلفة تطبيق القانون /50/ كما قدرته الحكومة 19 مليار ل.س، ولكن ما تم تطبيقه بشكل فعلي أقل من ثلاثة مليارات ل.س)، وهذا يعكس دور الحكومة في الانتقاص من حقوق الطبقة العاملة التي نص عليها القانون /50/.

أعضاء المجلس عبروا في مداخلاتهم عن حس مسؤول تجاه الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة السورية وتحميل الفريق الاقتصادي والحكومة مسؤولية الوضع القائم الذي ينذر بمخاطر كبيرة في حال استمراره، لأن الصبر له حدود، ولم تعد تجدي نفعاً كل المسكنات الكلامية التي تشيعها الحكومة وفريقها عن نسب النمو المرتفعة وعن قوة الاقتصاد السوري وعن الخطط الاقتصادية.. إن الطبقة العاملة وبحكم تجربتها مع هذا السلوك المعادي لمصالحها الوطنية والطبقية لم تعد تثق بكل التطمينات والوعود، لأن الفريق الاقتصادي في الحكومة محكوم ببرنامجه وتوجهاته الاقتصادية التي لا يستطيع التراجع عنها، والمنسجمة مع الدور المنوط به لإيصال الأمور إلى نهايتها والتي تسعى كل القوى الوطنية والشريفة داخل الوطن وفي مقدمتها الحركة النقابية ألا تصل إليها..

من هنا نفهم الدور الذي تلعبه الحركة النقابية، في ممانعتها وتصديها لكل الغارات التي تُشن على القطاع العام، وعلى مصالح وحقوق الطبقة العاملة السورية، بالرغم من كل المحاولات الجارية لإضعاف دورها هذا، وجعلها منسجمة مع ما ينفذه الفريق الاقتصادي تجاه القطاع العام (تأجير، استثمار)، وحقوق الطبقة العاملة ومصالحها، عبر الإيحاء بأن ذلك مُقر في قيادة الجبهة، وبموافقة القيادة السياسية، للحصول على «صك براءة» من كل ما يجري.

في اليوم الأول لانعقاد المجلس، وبعد تقديم مداخلات الأعضاء جرى اتخاذ قرار بتكثيف المطالب العمالية، وإرسالها إلى رئيس مجلس الوزراء ليجيب عليها في اليوم الثاني، وأكدت رئاسة الجلسة على عدم التحدث أمام الوزراء والاكتفاء فقط بتلك الورقة، مما خلق تذمراً واسعاً داخل المجلس. وبالفعل تم الاكتفاء في اليوم الثاني بذلك، حيث استعرض الوزراء مهاراتهم الإحصائية كتبرير لما تقوم به الحكومة، أمطروا الجلوس بمحاضرات أكاديمية بالاقتصاد، ولم يُتَح المجال أمام أعضاء المجلس للحوار المباشر مع النائب الاقتصادي والوزراء، ورغم ذلك تمت مقاطعة الدردري أكثر من مرة، وطلب الحديث 14 عضواً من أعضاء المجلس، للرد المباشر عليه وعلى ما طرحه الوزراء، ولكن ذلك لم يحدث، وأغلقت الجلسة بعد انتهاء الوزراء من ردودهم.

في اليوم الأول قُدّمت 13 مداخلة  تركزت جميعها حول قضيتين أساسيتين:

1 ـ الأجور وعدم تناسبها مع ارتفاع الأسعار.

2 ـ توجهات الفريق الحكومي فيما يتعلق بالقطاع العام.

• النقابي نزار ديب:

تحدث في مقدمة مداخلته قائلاً: إن سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي التي أنتجتها الحكومة لم تظهر لها أية ملامح اجتماعية في اقتصادها المطبق على الواقع، الأسعار تشهد فلتاناً ليس له مثيل لا من قريب ولا من بعيد، مع الإصرار على تحرير الأسواق والأسعار، أما تحرير الرواتب والأجور فهو خاضع لمئة اعتبار واعتبار.

 لماذا يُجرّ الشعب إلى

مواقع الاستياء والإحباط؟

وتابع: لماذا يجري إرهاق شعبنا الذي عول ويعول عليه عند حدوث أية مواجهة، لماذا نجره إلى مواقع الإحباط؟؟ لماذا يتعرض شعبنا إلى زيادات أسعار جنونية وفلتان السوق والتجويع وزيادة الضرائب والأتاوات التي تفرضها الحكومة بحجة أو بغير حجة.

وأضاف: إن الحكومة التي تمسك بزمام الأمور تبشرنا بنجاحاتها المتتالية بزيادة النمو ومكافحة البطالة والقضاء على الفقر، بينما الواقع غير هذا، فإذا كان النمو أمراً حقيقياً، فلماذا تبحث الحكومة عن مواردها في جيوبنا، جيوب الفقراء. ولماذا لا تبحث الحكومة عن مواردها في جيوب الأغنياء التي انتفخت كثيراً.

وحول رفع الدعم عن المشتقات البترولية بحجة أن الدولة تتكبد خسائر كبيرة، قال: إن هذه القضية لا يمكن معالجتها بتحرير المشتقات النفطية، وإنما بمعالجة ظاهرة التهريب التي لا تريد الحكومة حلها، وإنما تغطي عجزها على حساب الجماهير الشعبية الفقيرة.

وحول مشروع قانون إصلاح القطاع الصناعي قال:

ألا يدرك الذين يحاولون تمرير هذا المشروع (الفريق الاقتصادي) أن تصفية القطاع العام سيكون أحد مصادر تهديد التوازن في المجتمع واستقراره..

وأخيراًَ طرح النقابي نزار ديب سؤالاً مهماً وهو:

ألا يهدد استثمار الموانئ السورية الأمن الوطني السوري؟ ألا يهدد تأجير حدود الوطن الآمن السيادة الوطنية؟؟ ارفعوا أيديكم عن المرافئ السورية لأنها تمثل حدود الوطن وتسليمها للمستثمرين يهدد أمننا الوطني.

 بأمرة البنك الدولي

• النقابية بلثم ناصر قالت:

إنني واحدة من المواطنين المؤمنين، والواثقين بسياسة بلادنا الخارجية. غير أن نقيض هذه المشاعر تماماً هو ما أحمله تجاه سياستنا الداخلية، ولنكن دقيقين (تجاه سلوك الفريق الاقتصادي في هذه الحكومة). فمشاعرنا تجاه هذه السياسة تعدت القلق والخوف، لتصل إلى الحذر والخشية من مخطط أعتقد أنه بات واضحاً ما تريد أن توصل الشارع السوري إليه، وهنا أريد أن أطرح بعض التساؤلات:

1 ـ معروف للجميع أن سياسة البنك الدولي تعتمد على ثلاثة محاور: رفع الأسعار ـ رفع الدعم ـ تثبيت الأجور.. فهل ما نراه يا ترى الآن هو محاولة من السيد الدردري (الآتي من صندوق النقد الدولي)، لإيجاد المناخات المناسبة لتطبيق هذه الوصفة في بلادنا، وتهيئة الظروف الملائمة كمرحلة مبدئية تتبعها خطوات في طريق تحقيق غايات معينة؟.

2 ـ ما سبب إحجام الدولة عن الاستثمار في منشآت القطاع العام عبر مشاريع تنموية؟؟

3 ـ تمليك المستثمرين العرب والأجانب لأراضي سورية والتسهيلات المقدمة لهم؟؟ موضوع له محاذيره، خاصة إذا علمنا أن من ضمن التعديلات التي تمت على قانون الاستثمار حذف فقرة (بما لا يتعارض مع المقاطعة العربية).

إن هذه الأزمات وسعت من رقعة الفقر لتشمل الشرائح المتوسطة، ولكن الأشد إيلاماً من الفقر هو عدم التساوي فيه.

 اقتصاد السوق غير مقدس

• رئيس اتحاد عمال حمص:

أكد على ضرورة حماية وتطوير القطاع العام والعمل بكل الإمكانيات من أجل إصدار قانون تطوير هذا القطاع.

وأشار إلى السياسات الحكومية في تطبيق قانون اقتصاد السوق الاجتماعي التي أدت إلى خلق حالة من الفلتان في الأسواق وفوضى لا حدود لها نتيجة الارتفاعات المستمرة لأسعار معظم المواد وأشار في مداخلته إلى ما صرح به الأمين القطري المساعد لحزب البعث حيث قال: (إن اقتصاد السوق الاجتماعي غير مقدس إذا كان لا يخدم مصالح الوطن والمواطن).

 تمركز الثروة

• النقابي نزار العلي:

استهل مداخلته بالحديث عن التصريحات الحكومية عن زيادة الرواتب المجزية التي أعطت الفرص لكثير من التجار بزيادة أسعارهم واحتكار المواد الغذائية والتي أشعلت الشارع السوري.. وأضاف أن ذلك كنتيجة للسياسات الليبرالية للحكومات المتعاقبة التي جعلت من الاقتصاد السوري حقل تجارب للوصفات الجاهزة التي يمليها صندوق البنك الدولي. وأضاف: إلا أن هذه السياسات الاقتصادية أدت إلى تمركز الثروات بيد شريحة ضيقة تمثل البرجوازية الجديدة المرتبطة عضوياً بالاحتكارات العالمية.