د.محمد المعوش

د.محمد المعوش

email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حول الأزمة الأيديولوجية الثقافية العالمية كمهمة انتقال اشتراكي

في مواد عديدة سابقة، كنا قد أشرنا إلى أن الرأسمالية وفي آخر مناورة تاريخية لها باتجاه الظهور بمظهر المشروع الحياتي العام من خلال الليبرالية الاستهلاكية والفردانية كنمط حياة عالمي، دخلت في العقدين الأخيرين بشكل خاص في أزمة نتيجة حدة التناقضات التي وصل إليها هذا النموذج على كل المستويات العقلية والنفسية والعلائقية المباشرة. فالرأسمالية، كنظام تغريب للإنسان، ليس مكتوب لها أن تحقق الحاجات التي أوهمت البشرية أنها ستقوم بتحقيقها. خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي ضيقت الهوامش في هذا النموذج أساساً. ولكن هذا يفرض فراغاً في المستوى الأيديولوجي يجب دائماً الانطلاق منه في التفكير في تطور الصراع العالمي.

النهضة التربوية الأخلاقية ضد «الدعشنة»: لبوس جديد للفكر الاستعماري

ليس جديداً أن تتم معالجة الظواهر التي نعيشها من قبل البعض على أساس فكري يقوم بتجريد الظاهرة من واقعها المعقّد، ويُحيلها إمّا إلى أسباب متأصلة في وعي الشعوب التي تقوم بينها تلك الظاهرة، وإما إلى البنية الثابتة لتلك الشعوب، حيث يتم النظر فيها خارج تاريخها المادّي الاقتصادي- الاجتماعي. ومن بين الظواهر هي ظاهرة «الدعشنة» او السلوك الفاشي الذي انتشر في المنطقة مؤخراً، والتي يعتبرها البعض ظاهرة متأصلة في وعي وثقافة ودين (الإسلامي تحديداً) وتاريخ منطقتنا. وفي هذه المادة سنقوم بسرد بعض المقارنات التاريخية التي تظهر ضحالة هكذا مواقف غير علمية تلقى رواجاً اليوم، بدعم من تيار فكري غربي مركزي استعماري النزعة في جوهره.

في تحوّلات جدلية التسارع والبطء

تكتسب عملية الصراع السياسي ملامحها من الاقتصاد السياسي للمرحلة التاريخية. وهذا قول بدهيّ. ولكن عند التماس مع إحداثيات هذه العملية على المستوى الممارسي، أي بعيداً عن التنظير العام، تنكشف ظواهر محددة تعطي للعملية الصراعية طابعاً محدداً، يمكن أن يغني التصور العام عن المرحلة، لا بل قد يغني التصور حول تطور الصراع السياسي في مختلف البنى الاجتماعية ضمن النظام العالمي ككل، حسب خصوصية تلك البنى. ومن هذه الظواهر هي قضية التسارع/ البطء الزمني في تشكّل الاستعداد للوعي والشخصية الثوريتين بالمعنى الفردي.

قضيّة الفلسفة اليوم بين التاريخي والسياسي

الفلسفة أو شمولية التجريد والتعميم هي بالنهاية قضية ترتبط بشكل وثيق بنظرية المعرفة، أي في انعكاس الواقع المادي في الوعي، بشكل مفاهيم وعلاقات. إنها إذاً مسألة تاريخية. فانعكاس الواقع المادي في الوعي، ليس انعكاساً مباشراً، بل تتوسّطه علاقة صاحب الوعي بالواقع. أي يتوسطه النشاط والممارسة التي تربط الفرد بالمجتمع. وظروف المرحلة الحاليّة تصبغ الفلسفة بملامح يجب التوقف عندها لما له من دور على الصراع السياسي عالمياً، أي قضية الوعي البشري عموماً.

ضغط العقدة الثقافية كرأس لجبل الجليد

إن قانون التناسب بين البنيتين الفوقية والتحتية في المجتمع يفرض نفسه دائماً، وهو يفيدنا اليوم لفهم التناقضات العاملة في البنية الرأسمالية مركزاً وأطرافاً، قوى متراجعة كانت أم صاعدة. التناقضات التي قلّما تلقى التركيز، ولكنها حاضرة في ممارسة الأجهزة الفوقية للدول على مختلف مواقعها في البنية الرأسمالية العالمية.

حول «ثقافة الرأسمالية الجديدة»

صدر كتاب «ثقافة الرأسمالي الجديدة» للباحث الاجتماعي الإثنوغرافي ريتشارد سينيت (منشورات جامعة ييل- الولايات المتحدة الأمريكية، 2006)، وصدر مترجماً إلى العربية عن دار الفارابي (بيروت، 2008). ويبحث التحولات التي طالت العلاقات الاجتماعية اليومية الممارسية (البراكسيس حسب غرامشي) في ظل النيوليبرالية وعولمة عمليات الإنتاج والاقتصاد التكنولوجي والنمط الاستهلاكي، والتحوّل الذي طال المعاني والقيم الفرديّة والأهداف والمستوى السياسي.

وحشُ «شبكات التواصل» يمتصّ الحركة

لفتنا الأسبوع الماضي، وفي سياق الصراع في فلسطين المحتلّة، أن منصّات التواصل «الاجتماعية» العالميّة مارست انطلاقاً من دورها ووظيفتها، قمعاً للصوت المعادي للصهيونية وللكيان. أُغلِقت صفحات لتنظيمات، وحُجِبَت حسابات لأفراد. فاحتدم الجدل على هذه المنصات بالذات، حول عدم ديمقراطية هذه المنصات، وعن ضرورة الصراع لانتزاع الديمقراطية منها. ولكن يبدو أن وظيفة هذه الوسائل وقاعدة عملها ليس مطروحاً المسّ بها عمليّاً. وهذا يرجع ربّما إلى تبادل منافع محدود بين المنصات ومُستخدميها. تبادل المنافع الذي طالما جرى الكلام عنه، في إطار محاولة الأفراد إشباع الحاجات التي ضاق بها المجتمع، فانفتح لها «الصّدرُ الرّحب» لهذه المنصّات!

بين جدلية القضايا والتكتيكات الرجعية

إن الصراع السياسي، في مناوراته وتكتيكاته، لا يتحرك بحرّية حسب إرادة أصحاب من يقوم به، لا على مستوى القوى الثورية، ولا على مستوى النقيض المحافظ والرّجعي. فكلا النقيضين محكومان بالقضايا المادية التي حولها يدور هذا التكتيك أو ذاك، هذه المناورة أو تلك. ولذلك، فإن البحث عن جذر تطور التكتيك والمناورة لا بد وأن يجري على مستوى التطور التاريخي للقضايا الصراعية نفسها. ونحن اليوم أمام تيار رجعي لا يجد حرجاً، بل لا يجد مهرباً، من أن يلبس لباس الموقع الثوري، أو بالأحرى، يتخذ من ملامح هذا الموقع أدوات لمناورته. ليس هذا بالجديد التاريخي، ولكنه يكتسب اليوم عمقاً أبعد مما سبق.

إنجلز: بين سرعة الصّوت وتسارع الأزمة

في مقاله «دروس انتفاضة موسكو» يشدّد لينين على فكرة أساسية من مقدمة إنجلز لكتاب ماركس «الصراع الطبقي في فرنسا»: «إن التكتيك العسكري رهن بمستوى التكنيك العسكري، فإنجلز هو الذي كرّر هذه الحقيقة ووضعها ممضوغة في أفواه الماركسيين». وكان لينين في مقاله يدرس تطور فكرة التكتيكات التي تسلكها الفئة المنتفضة انطلاقاً من مرحلته التاريخية والتحولات التي طالت بنية أجهزة الدولة (وحكماً أدوات القمع في يد جهاز الدولة العسكري) وشروط الصراع الطبقي بالضرورة، من مرحلة المسدسات في الدفاع عن المتاريس إلى مرحلة المدافع مثلاً. فما هو تطور هذه المسألة تاريخياً من انتفاضة موسكو وصولاً إلى الأسلحة الحديثة والمرحلة التي تطورت إليها الإمبريالية؟ وهل هي اليوم مطروحة في شكلها النظري على غالبية القوى الثورية؟!

الجديد التاريخي وصعوباته بين العام والخاص..

يبدو أنّ جديد المرحلة التاريخية التي نحن في أحشائها لا يزال في بداياته المتواضعة. ليس فقط على المستوى البعيد، بل على مستوى الحاضر أيضاً. وللانتباه، وحتى لا نقع في فخّ الميكانيكية والمثالية، نقول: إن الجديد هذا ينعكس ليس فقط ضمن القانون العام لهذه المرحلة، القانون الذي قد يبقى ثابتاً لفترة محددة، بل أيضاً ينعكس بظواهر جديدة حسب المسار الذي تأخذه الأحداث نفسها، في تسارعها أو بطئها، بمعزل عن قانونها العام. أي: في الصدف المتعددة، وتداخل تلك الصدف التي لا يمكن تحديدها إلّا عند حصولها. من هنا لا بد للفكر هذا ألّا يركن إلى سرديّة ثابتة، وإلّا تجاوزه الواقع في جديده الدائم. فكيف في هذه المرحلة التاريخية النوعية من عمر البشرية التي ولا بد أن جديدها كثير دفّاق!