مذكرة التوقيف التركية لنتنياهو من وجهة نظر سورية؟

مذكرة التوقيف التركية لنتنياهو من وجهة نظر سورية؟

أصدرت النيابة العامة في إسطنبول، يوم الجمعة 7 تشرين الثاني الجاري، مذكرة توقيف بحق 37 مسؤولاً «إسرائيلياً» بينهم نتنياهو ووزير حربه، بتهمة «الإبادة الجماعية».

مذكرة التوقيف هذه- بطبيعة الحال– ليست إجراءً ملموساً أو عملياً يَقصدُ بالفعل إلى توقيف أو محاسبة من ذكرَتهم، ولكنها مع ذلك إجراء ذو طابع سياسي رمزي، ينبغي فهم مقاصده ومعانيه ضمن الظروف الملموسة، ليس في الداخل التركي فحسب، بل وأيضاً، وربما بشكلٍ أكثر وضوحاً، ارتباطاً بالوضع السوري وتطوراته.


ما الذي يقوله الإعلام «الإسرائيلي» غير الرسمي؟


الرواية التي يقدمها إعلاميون و«مؤثرون» عرب وسوريون ممن يعملون بشكل خاص مع وسائل إعلام إماراتية وأحياناً قطرية، وممن تصب رواياتهم عادة في السردية الغربية/«الإسرائيلية»، تتلخص بالتالي: الولايات المتحدة رعت اتفاقاً تركياً-«إسرائيلياً» لتقاسم النفوذ في سورية، يتضمن إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في دمشق، تكون نقطة التوازن والضمان للطرفين الإقليميين المتنافسين على سورية، ويتضمن إنشاء قواعد تركية في بعض المناطق في شمال البلاد، وبقاء «الإسرائيلي» في المناطق التي احتلها في الجنوب بعد 8/12، إضافة إلى الجولان، وإلى أجل غير مسمى، وبحيث تصبح سورية، مرة وإلى الأبد، جزءاً من المشروع الغربي/«الإسرائيلي»، وبالضد من الصين وروسيا بطبيعة الحال. ليس ذلك فحسب، بل يتم استكمال الرواية بالتنبؤ بمستقبل فيدرالي لسورية، وبابٍ مفتوح أمام تقسيم فعلي. وأما الفصل الإضافي في الرواية، والذي يبدو الأكثر آنية وراهنة، هو التأكيد أو الإيحاء بأن الزيارة القريبة للرئيس السوري الانتقالي إلى واشنطن، بعد رفع اسمه من قوائم الإرهاب بقرار من مجلس الأمن، ستتضمن توقيعاً لاتفاق مع الكيان، وهذه المرة لا يجري الحديث عن اتفاق أمني، بل عما يشبه التطبيع الأبراهيمي.


رمزية المذكرة؟


ضمن هذه اللوحة العامة التي يرسمها الإعلام القريب من الكيان، تخرج مذكرة توقيف 37 مسؤولاً «إسرائيلياً» من النيابة العامة في إسطنبول، وبالتوازي تقريباً تظهر أخبار إيجابية جديدة عن مبادرة أوجلان، وعن السير بها خطوات عملية إلى الأمام.
هذان الخبران، يتناقضان مع اللوحة المقدمة إعلامياً من جانب «الإسرائيلي»، ويرسمان لوحة مختلفة كل الاختلاف؛ فالسير قدماً في تسوية المسألة الكردية في تركيا، يصب بالضبط بالضد من «الشرق الأوسط الإسرائيلي» الذي ما تزال الصهيونية العالمية تعمل بكل قواها لإنفاذه، بوصفه أداة في إحراق المنطقة ككل، وقطع الطريق على التغير الحاد المستمر في ميزان القوى العالمي بالضد من مصلحة المركز الأمريكي، ولمصلحة القوى الصاعدة وعلى رأسها الصين وروسيا.
وعليه، فإنه ينبغي التفكير أيضاً، بأن تركيا، وعبر المذكرة الصادرة عن النيابة العامة لإسطنبول، إنما توضح موقفها من فكرة التسوية مع «إسرائيل» أو «تقاسم النفوذ معها»... لا شك أن السلطة التركية شديدة البراغماتية، ولكن هنالك حدوداً لا يسمح الواقع الموضوعي بتخطيها؛ فالتحالف مع أمريكا و«إسرائيل» لم يعد خياراً بالنسبة لأي دولة أو سلطة في المنطقة تريد البقاء قائمة وموجودة وموحدة؛ فكل الدول في منطقتنا وفي العالم، وكل السلطات في منطقتنا وفي العالم (تقريباً، مع استثناءات قليلة لسلطات ضعيفة القوة والخبرة)، تعلم علم اليقين أن الولايات المتحدة لم يعد لديها ما تقدمه في أي تحالف تقيمه إلا الابتزاز والعقوبات واحتمالات الفوضى.
وعليه، فإن تركيا، وعبر هذه المذكرة، ربما ترسل رسالة مفتوحة لأطراف متعددة، فحواها: أنه ليس هنالك اتفاق (على الأقل حتى اللحظة) بين تركيا و«إسرائيل»، وعلى الخصوص ليس هنالك اتفاق حول سورية، وبالتالي، فإن توقيع «اتفاق سلام أو تطبيع» بين سورية والكيان، ما يزال أمراً مرفوضاً من وجهة النظر التركية، بل ويصب مباشرة ضد المصلحة التركية في سورية وفي تركيا نفسها...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1251