عرض العناصر حسب علامة : افتتاحية قاسيون

الافتتاحية: حول الإصلاح الدستوري

كانت وما زالت،  مهمة الإصلاح الدستوري، مهمة وطنية تفرض نفسها بإلحاح على جدول الأعمال، في سياق العمل من أجل الحل السياسي التوافقي والشامل، وفق قرار مجلس الأمن 2254، ومن هنا، فإن الإسراع بتشكيل اللجنة الدستورية، وفق المخرجات المتوافق عليها، في مؤتمر الحوار الوطني في «سوتشي»، ضرورة قصوى، كونها الضمانة لعملية التغيير المنشودة التي لابد منها، لحل جميع المهام الماثلة أمام البلاد، من إنهاء الكارثة الإنسانية، إلى القضاء التام  والنهائي على الإرهاب.. 

استحقاقات التراجع

تتضح يوماً بعد يوم، عملية الاستقطاب الدولي الجديدة بين القوى الصاعدة، والقوى المتراجعة، وتتعمق أكثر فأكثر مسألة التراجع الامريكي، بدءاً من الازمة الكورية، إلى بحر الصين، إلى التخبط في موضوع الملف النووي الايراني..
لا تكمن أهمية التراجع الأمريكي، فقط في الخسائر المتلاحقة التي منيت بها الاستراتيجية الأمريكية، بل تتجسد أيضاً في أن هذا التراجع يفتح الطريق على الخيارات البديلة، حسب خصائص وظروف كل بلد من بلدان العالم.
إن فشل العدوان الثلاثي في تحقيق أهدافه، وتراجع دور العمل المسلح، بعد عمليات الغوطة الشرقية، وعموم محيط العاصمة، وشمالي حمص، لا يعني تغييراً في الأولويات التي يجب التصدي لها، ولا العناوين الأساسية في الوضع السوري، فالتغيير الوطني الديمقراطي، كان وما زال ضرورة تاريخية يفرضها الوضع السوري نفسه، وهو حاجة داخلية سورية موضوعية، وليس مجرد رغبة لهذا التيار السياسي أو ذاك، ولا يتعلق بظرف آني، بل عملية تاريخية قائمة منذ ما قبل 2011 وتفجر الأزمة بالطريقة التي كانت، ومستمرة حتى تحقيق هذه الضرورة، وهو من جهة حق مشروع للشعب السوري، ومن جهة أخرى، ضرورة وطنية تتعلق بتأمين أدوات استعادة سيادة الدولة السورية، والحفاظ على وحدتها، حيث تأكد بالملموس خلال سنوات الأزمة، استحالة إدارة شؤون البلاد بالطريقة السابقة، لا من ناحية بنية النظام السياسي، وهيكليته، ولا من جهة طرائق وآليات توزيع الثروة، أي أنه ضرورة سياسية واقتصادية اجتماعية في آن واحد، وهو ليس مسألة شكلية، يمكن ان تحل ببعض الإجراءات، بل عملية عميقة، وجذرية، جوهرها أن يقرر الشعب السوري، مصيره بنفسه، دون أي شكل من أشكال الوصاية عليه.

واشنطن كانت أقوى..!

بعد التصريحات المتكررة للرئيس الأمريكي عن انسحاب وشيك للقوات الأمريكية، تصاعد الحديث عن قدوم قوات عربية وأوربية، بديلة عن القوات الأمريكية المتمركزة في الشمال السوري، لابل أشارت تقارير إعلامية إلى وصول قوات فرنسية بالفعل الى بعض المواقع.
إن ردود الأفعال الأولية على المحاولة الأمريكية، بما فيها مواقف محميات الخليج العربي، المرتبكة، والقلقة، يشير بأن مغامرة واشنطن الجديدة، ولدت ميته، فهذه الدول منهكة أصلاً بأزماتها الداخلية و البينية، ومآزقها الإقليمية من حرب اليمن، إلى ملف العلاقات مع إيران، إلى دورها المفضوح في الازمة السورية، وحدها «فرنسا ماكرون» تبدو متلهفة إلى التورط في الرمال السورية المتحركة.

المسارات الثلاثة = 2254

لم يكد يمر أسبوع واحد على العدوان الغربي الفاشل ضد سورية، حتى عادت الأمور لتنتظم ضمن مسارها الموضوعي باتجاه تفعيل ثلاثية (جنيف، أستانا، سوتشي)؛ وهو ما ظهر جلياً في اجتماع لافروف مع دي مستورا يوم 20 نيسان الجاري.
الجديد في المسألة هو أن الاعتراف بهذه الثلاثية قد اتخذ شكلاً جديداً مع الاجتماع آنف الذكر؛ فالحديث لم يعد ضمن حدود «مسارات موازية لا مانع من وجودها في حال أثبتت أنها داعمة للمسار الأساسي في جنيف»، كما كان ممكناً أن يُفهم من تصريحات دي مستورا والغربيين على السواء، بل انتقلت الأمور للحديث عن مسارات متوازية ومتكاملة وينبغي تفعيلها جميعها، وبحسب كلمات دي مستورا نفسه فإن: «المفاوضات بشأن التسوية السورية في سوتشي يجب أن تصبح أكثر أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي، والمحادثات في أستانا من الأفضل أن تعقد بشكل أكثر انتظاماً»، كما أن هنالك ضرورة لـ«دعم مسارات التسوية السورية الثلاثة».

العدوان بين الدوافع والنتائج

تعددت دوافع العدوان الغربي على سورية، بعضها تتعلق بالوضع في البلاد، وما حولها، واتجاه تطور الأحداث فيها، وبعضها تتجاوز الأزمة السورية، وتدخل ضمن قضايا الصراع الدولي الراهن بين القوى الدولية الصاعدة، والقوى المتراجعة.
إن التراجع المستمر لدور العمل المسلح في البلاد، منذ معركة حلب، وصولاً إلى حل عقدة الغوطة، وثبات خيار الحل السياسي، واستمرار مساراته في جنيف، وسوتشي، وأستانا رغم محاولات العرقلة من هنا وهناك، والحلول المبتكرة التي يوفرها الطرف الروسي، أمام كل تلكؤ جديد، وتزايد وزن ودور قوى المعارضة الوطنية الجدية، وثبات إمكانية دفع العملية السياسية إلى الأمام، والخروج من استراتيجية «استدامة الاشتباك» الأمريكية، إن كل هذه التطورات أدت إلى إمكانية وضع اللاعب الأمريكي والغربي عموماً، خارج الميدان السوري، فلجأت واشنطن إلى التدخل بثقلها العسكري المباشر، لخلط الأوراق مجدداً، ضمن محاولات إعادة التحكم بالوضع.

الكيماوي من جديد

استيقظ العالم صباح اليوم الأحد على حملة دعائية واسعة جديدة حول استخدام السلاح الكيماوي، بعد أن كانت مشكلة الغوطة على وشك الانتهاء، على أثر استعادة مساحات واسعة منها إلى سلطة الدولة السورية، وفي الوقت الذي كان التفاوض مستمراً حول استكمال العملية بحيث تشمل مدينة دوما بموجب اتفاق مبرم برعاية الطرف الروسي.

ضمانة وحدة سورية

بدأ الخطر على وحدة سورية فعلياً، مع بدء الصراع المسلح في البلاد، على أساس ثنائية «الحسم والاسقاط»، وتفاقمت هذه المخاطر طرداً مع تعمق الصراع، فكلما توسع الصراع البيني تهيأت البيئة المناسبة أكثر فأكثر، لظهور عناصر طارئة في الميدان السوري كالإرهاب التكفيري الذي كان يعتبر أحد أهم أدوات التقسيم، من حيث بنيته، وتموضعه، ومشغليه من جهة، ومن حيث كونه أصبح فزاعة أدت إلى إحياء كل البنى التقليدية في ظل القلق الوجودي الذي انتاب الجميع، وانفلات ظاهرة السلاح إثر ذلك، خصوصاً مع تراجع سلطة الدولة، ودورها على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وتحول الصراع بين السوريين، على آفاق تطور سورية، ونظامها السياسي، إلى صراع دولي وإقليمي على الأرض السورية، وإلى ما يشبه تقاسم النفوذ بين تلك الدول، بغض النظر عن نوايا واستراتيجيات كل واحدة منها.

التلويح بالعدوان.. والنتيجة المحسومة

تلوح قوى الحرب في الإدارة الأمريكية مجدداً باللجوء إلى الخيار العسكري والتدخل المباشر في سورية، بالتوازي مع حملة دعائية واسعة تتناوب عليها قوى ووسائل إعلام غربية وعربية، لإقناع الرأي العام بمشروعية هذا الخيار، بذريعة حماية المدنيين.

رغم التصعيد .. الحل قادم!

تختلف التحليلات وتتعدد، حول التصعيد العسكري الأخير في سورية وحولها، ومآلاته، ليسود من جديد الانطباع العام بأن القرار بات للسلاح مرة أخرى.

«العصر الأمريكي» هبوط لا رجوع عنه

يتجاذب العالم منذ مطلع القرن العشرين قطبان متصارعان: الامبريالية وسعيها للبقاء والتوسع من جهة، وشعوب العالم وحاجتها للتطور غير الاستغلالي من جهة أخرى... وسط هذا الصراع المستمر أتت تجربة تشكيل الاتحاد السوفييتي، ودول المنظومة الاشتراكية، كعلامة فارقة في هذا الصراع. حيث نقل الثوريون الروس الصراع إلى مستوى جديد عندما أسسوا التجربة الأولى لنظام بديل، أثبت قدرته على المنافسة. ولكن هذا الميزان اختل مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وأصبح العالم رهينة للقطب المهيمن الواحد الأمريكي كرأس حربة للإمبريالية: اقتصادياً بفرض النيوليبرالية، وبإمساك عصب المال العالمي عبر الدولار، وعسكرياً بقوة البطش والعنف التي تحمي المنظومة، وسياسياً بمنطق العلاقات الدولية المتشكل بعد الحرب العالمية الثانية، والسائد مطلع التسعينيات...