الاتفاق الثلاثي مَخرج المرحلة
تتجه التطورات الأخيرة في الحرب في سورية نحو الانفراج الذي وسم المرحلة الأخيرة عموماً، وفي استمرار لهذا الانفراج الذي شهدنا الحلقة الأخيرة منه في الجنوب السوري، تستمر المحاولات المعاكسة- التي لم تتوقف- لنسف الاتفاقات، وعلى اعتبار أن إدلب هي المنطقة المرشحة في المرحلة القادمة، تبذل أطراف عديدة -كل منها بأسلوبه- محاولات متكررة لنسف اتفاق أستانا، الذي قام بناء على التفاهم الثلاثي الذي نشأ بداية هذا العام بين بوتين وأردوغان وروحاني في سوتشي، ومحاولات لنسف التفاهم الثلاثي ذاته.
إن محاولات نسف الاتفاق الثلاثي هذه تهدف بكل وضوح إلى إنهاء اتفاقيات التهدئة التي تلبي طموحات الشعب السوري، لإحداث شرخ بين الضامنين في أستانا، وبالتالي إعاقة المسار السياسي الذي نجم عن جنيف وأستانا وسوتشي، والاتجاه الذي يذهب نحو تشكيل لجنة دستورية ضمن ملفات أخرى في مسار الحل السياسي في سورية وتطبيق القرار الدولي 2254.
ما هو شكل سورية بعد القضاء على الإرهابيين وبسط سيطرة الدولة على كافة الأراضي السورية؟ إنه موضوع إشكالي بين رغبات السوريين فكيف يجب أن يكون شكل هذه السيطرة، وماهية عمليات التغيير الضرورية، هو موضوع يحاول المعيقون الابتعاد عنه وتأجيله إلى أطول أجل ممكن، لتأخير بحث الإصلاح الدستوري وما يستتبع ذلك من بحث للانتخابات وما يتلوها، على طاولة البحث السورية.
رغم التغيرات الكبيرة الناجمة عن تأثير هذا التفاهم الثلاثي –المستند إلى التوازنات الدولية الجديدة والضرورات الإقليمية- إلا أن الموقف التركي الذي لم يستكمل استدارته، ما زال خاضعاً لجملة من الضغوط التي يبدو الأبرز فيها: الرؤية التركية الخاصة (الخاطئة) في الموضوع الكردي، تلك الرؤية التي تعتبرها الحكومة التركية خطوطاً لا يمكنها تجاوزها، حيث تبني تركيا عدداً كبيراً من مواقفها ورؤيتها لموقعها الإقليمي كقوة رئيسية مؤثرة في المنطقة ابتداء من هذا الموضوع، وتلعب أطراف عديدة إقليمية ودولية دوراً في تأجيج هذا الموقف.
إن التغيير الكبير الحاصل في الموقف التركي، بحاجة إلى تعزيز وتطوير، بهدف قطع الطريق على كل المحاولات الهادفة إلى إحداث شرخ في التعاون الناجم عن التفاهم الروسي التركي الإيراني في المنطقة، وعدم السماح لأي نوع من المحاولات بغض النظر عمن يقف وراءها.
إن التفاهم الروسي التركي الإيراني هو الضامن في المرحلة الحالية للتوصل إلى استقرار وأمن في منطقة الشرق الأوسط.
يبدو أن التوتر الحاصل في العلاقات بين الأطراف الثلاثة، والناجم عن الاستفزازات، يندرج ضمن المحاولات العابثة التي لا مصير لها سوى الفشل، رغم أنها تجري بشكل متعمد ومقصود من أطراف دولية وإقليمية وعربية ومحلية.
يشكل لقاء هلسنكي المزمع عقده بين بوتين وترامب، حلقة في سلسلة تمظهرات حالة التغيير في التوازنات الدولية، مع ما يمكن أن ينجم عنه من دفع لعملية الانفراج في الحرب السورية الناجمة في هذه المرحلة عن التفاهم الثلاثي الروسي التركي الإيراني.