خطوة أخرى إلى الأمام
شهدت مدينة جنيف، خلال الأيام الماضية، تحركات دولية وسورية واسعة، لتشكيل لجنة الإصلاح الدستوري، والشروع بعملها، وتشير النتائج الأولية إلى تقدم ملموس في هذا السياق، مع تأكيد الأطراف الضامنة، على استمرار السير بالعملية حتى إنجازها الكلي. ولدى الوقوف عند المواقف المختلفة التي ظهرت، تجاه هذا الحراك السياسي والدبلوماسي، ينبغي التأكيد على جملة مسائل:
لم يعد القبول بالمبدأ أمراً كافياً، فتشكيل اللجنة أمر محسوم، وتحصيل حاصل وآتٍ من كل بد، لكن المُلحّ اليوم تجاوز تلك العراقيل، سواء الواقعية أو المفتعلة، والتخلي عن التسويف والمماطلة في الإقلاع بعمل اللجنة من قبل بعض أطراف المعارضة، التي ما زال قسم منها، يعيش أوهام «الممثل الشرعي والوحيد»، كما يبدو من خلال سلوكها، أو من خلال محاولة إيجاد ذرائع للتنصل من المشاركة في العملية، استناداً إلى تطورات عسكرية على الأرض، في ظل العمل الجاري لإنهاء الوجود المسلح في الجنوب، وإذا كانت ثمة علاقة بين هذه وتلك، فإن الموقف يستدعي الإسراع للحاق بعملية تشكيل اللجنة، وليس العكس، أي: اتخاذها ذريعة جديدة للعرقلة.
لا مجال هنا للتحاصص الدولي في تشكيل اللجنة، بين دول تتبنى قائمة النظام، وأخرى تتبنى تشكيل قائمة المعارضة، لأن مهمة الأطراف الدولية كلها بالأصل، تكمن في العمل معاً، على فتح الطريق أمام السوريين للوصول إلى ما هو منشود، وإزالة العراقيل، وحلّ القضايا الخلافية، وإيجاد التوافقات بينهم في حال ظهورها، تماشياً مع روح ومنطوق كل القرارات الدولية المتعلقة بالأزمة السورية. والدستور تعديلاً أو تجديداً، هو شأن سوري، والسوريون هم المقرر الأساسي، على أن يساهم في اللجنة، أوسع طيف ممكن منهم دون استثناء أحد، إلا من يستبعد نفسه، استناداً على ما تنص عليه القرارات الدولية، وباعتباره حقاً مشروعاً حصرياً للشعب السوري.
لقد شكل مسار أستانا حين انطلاقه، اختراقاً جدّياً، وحلاً إبداعياً لتجاوز الجمود الذي أصاب العملية السياسية، وأنجز ما أنجز بالعمل المشترك بين أطراف الترويكا، بغض النظر عن تفاوت الأدوار والغايات، وجاء مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، استكمالاً منطقياً لذاك المسار، فكانت فكرة تشكيل لجنة الإصلاح الدستوري، التي أنهت حجج الأطراف كلها، وأنهت الجدل في الأولويات، خصوصاً بعد مشاركة الأمم المتحدة، وتبني مخرجات المؤتمر من قبل المنظمة الدولية، رغم تردد وتعنت أطراف عديدة، محلية وسورية وإقليمية، واليوم في ظل البدء بالجانب الإجرائي في تشكيل اللجنة، فإن المهمة الملموسة أمام السوريين، ومعيار الجدّية في الموقف من الحل السياسي، وبالتالي معيار الحرص على مستقبل البلاد، ووحدته وسيادته، وحقّ الشعب السوري في التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، هو: اعتباره الإجراء الذي يتكثف فيه كل التراكم الذي حدث في السنوات السابقة باتجاه الحل السياسي المنشود.