الافتتاحية: حول الإصلاح الدستوري
كانت وما زالت، مهمة الإصلاح الدستوري، مهمة وطنية تفرض نفسها بإلحاح على جدول الأعمال، في سياق العمل من أجل الحل السياسي التوافقي والشامل، وفق قرار مجلس الأمن 2254، ومن هنا، فإن الإسراع بتشكيل اللجنة الدستورية، وفق المخرجات المتوافق عليها، في مؤتمر الحوار الوطني في «سوتشي»، ضرورة قصوى، كونها الضمانة لعملية التغيير المنشودة التي لابد منها، لحل جميع المهام الماثلة أمام البلاد، من إنهاء الكارثة الإنسانية، إلى القضاء التام والنهائي على الإرهاب..
وحتى يحقق الإصلاح الدستوري المنشود، الهدف المأمول منه، ينبغي ألا يكون تكراراً للدساتير القديمة التي تجاوزها الزمن، كدستور 1950 وغيره، وفي الوقت نفسه، يجب أن يتجاوز دستور 2012، أي أنه يجب أن يتوافق مع ضرورات التطور اللاحق للبلاد، ومتطلبات الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، ويكون ضامناً فعلياً للحقوق الاقتصادية - الاجتماعية والسياسية للشعب السوري في سورية الجديدة، من خلال تأمين سلطة حقيقية للشعب على جهاز الدولة.
إن دراسة التجربة السورية خلال العقود السابقة، وضرورات إنجاز المهام، سواء القديمة منها، أو التي أفرزتها سنوات الأزمة، والمتغيرات المتسارعة والكبرى التي تجري على النطاق الدولي، تتطلب إصلاحاً دستورياً عميقاً، بحيث يؤمن تحقيق عدة قضايا:
أولاً: إعادة توزيع صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية أي صلاحيات رئاسة الجمهورية، والحكومة، والبرلمان.
ثانياً: إن تأمين السلطة الفعلية للمجالس المنتخبة محلياً على مستوى المحافظات والمناطق، أو مركزياً على مستوى البلاد، تتطلب تغيير النظام الانتخابي، إلى نظام نسبي شامل، وفي الوقت نفسه ضمان حق الناخبين في أية لحظة سحب الثقة من المنتخبين.
ثالثا: التوافق على صيغة جديدة للامركزية الادارية، تقوي المركز، من خلال تفويضه لسلطات المناطق بالصلاحيات الضرورية، بحيث يفتح المجال لقوى المجتمع بإدارة شؤونها الخاصة، بما فيها انتخاب مجالسها بكل حرية، ومراعاة الخصائص الثقافية للمناطق، مع بقاء قضايا الدفاع والأمن والسياسة الخارجية، والسياسة الاقتصادية، والمالية العامة بيد المركز حصراً.
مع التأكيد ابداً، ودائماً، بأن الدستور مسألة سيادية تخص الشعب السوري، وإن القرار النهائي في هذا الموضوع شكلاً ومحتوى، يعود الى الشعب السوري حصراً، وليس لأحد غيره.
إن الشروع بإجراء تغييرات دستورية بهذا المستوى، لا تفتح الباب للخروج السريع من الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات فحسب، بل تؤمن أيضاً الظروف للإسراع بإعادة إعمار ما تدمَر مادياً وروحياً، خلال هذه السنوات، وتخفيف وطأة الخسائر الهائلة، وفي الوقت نفسه، تقطع الطريق على كل ما يمكن أن يتمخض عنه سعي قوى الحرب من واشنطن إلى الكيان الصهيوني، إلى حلفائهما الإقليميين بتوتير الوضع الدولي، والإقليمي، التي تسعى بشتى السبل، إلى المزيد من الاستنزاف، وتختلق الذرائع لاستمرار الحرب.