«تفاهم» القوى الكبرى!
تتسارع أحداث الميدان السوري باتجاه المزيد من الانفراج، فمن التطور اللافت في الجبهة الجنوبية، من خلال مشاركة بعض الجماعات المسلحة في التسويات التي عقدت هناك، إلى الإشارات الواردة من الشمال الشرقي حول استعداد «قوات الحماية الكردية» إلى الانخراط في التفاوض، والتشكيك المتكرر بالدور الأميركي، والتغيرات (ولو الجزئية) في التواجد الأميركي في الشمال، إلى العودة التدريجية للنازحين في العديد من مناطق البلاد إلى مناطق سكنهم الأصلية، والانفراج الأمني النسبي في بعض المناطق، إلى الحراك الدبلوماسي الذي جرى حول تشكيل لجنة الإصلاح الدستوري واستعداد قوى واسعة من المعارضة لتقديم أسماء ممثليها إلى اللجنة، رغم ممانعة متشددي الرياض، حيث تشكل كل هذه الأحداث بمجموعها إشارات هامة على أن الملف السوري قيد التداول، رغم حالة التباطؤ المزمنة، والعراقيل المفتعلة التي تظهر في الجزئيات والتفاصيل، والمواعيد.
وجاء الإعلان عن اللقاء المزمع بين الرئيسين الأميركي والروسي حول جملة الملفات الدولية ومنها الملف السوري، إضافة نوعية في هذا السياق، خصوصاً وأن اللقاء جرى بطلب من الجانب الأميركي الذي لم يكن في جعبته حتى الأمس القريب غير التهديد، وشيطنة الطرف الروسي وتحميله مسؤولية توتير الوضع الدولي.
إن «تفاهم» القوى الكبرى في ظل ميزان القوى الدولي الجديد، يحمل في طياته دلالات عديدة، أهمها: تراجع طرف لمصلحة طرف آخر.
ينبع أحد وجوه خصوصية الأزمة في سورية، أنها تعكس إلى حد كبير بشكل مباشر– ولا نقول بشكل ميكانيكي- التغيرات التي تحدث على الصعيد الدولي.
فالتراجع الأميركي الظاهر بشكل واضح في الملف الكوري، وفي موقف الاتحاد الأوروبي من قضية الملف النووي الإيراني، مع ما صاحبه من موقف واضح وصريح جداً روسي وصيني، جعل الولايات المتحدة في موقف لا تحسد عليه نهائياً.
وأصبحت حربها الاقتصادية التي وصفت بأنها أكبر حرب اقتصادية في التاريخ، مثار سخرية الاقتصاديين في العالم لما ستجلبه من تدمير على الاقتصاد الأميركي يزيد الوضع الاقتصادي الأميركي سوءاً بدلاً من إنقاذه (لأن الحلول لا تكون بالعودة في التاريخ إلى الوراء).
إن السياسة الأميركية اليوم يمكن تشبيهها بالقنبلة الصوتية التي لا يمكنها أن تفعل شيئاً إلّا أن تغطي على الانسحاب رغم ضجيجها العالي.
وفي عودة إلى الواقع السوري المستفيد من هذا التراجع التاريخي للولايات المتحدة، في معالم انفراج محلية مرافقة، نعلم أن هذا الانفراج ليس سهلاً، ولن يكون سهلاً بوجود أطراف عديدة على الساحة السورية لا ترغب بهذا الانفراج، ولا بالاعتراف بخسارة شريكها وداعمها الأميركي. وما زالت تلك الأطراف تطلق قنابل صوتية (صغيرة) في نوع من محاكاة اللعبة الكبرى، بإدراك أو دون إدراك لدور هذا السلاح في التغطية على الانسحاب. وما زال دوي هذه القنابل يشوش على انفراج الأفق (ولو قليلاً)، الذي أصبح واقعاً لا يمكن للجميع إلا رؤيته.