افتتاحية قاسيون 1217: لمصلحة من كل ما يجري؟ stars
يشكل التحليل الهادئ للأحداث مدخلاً أساسياً نحو تعامل وطني ومسؤول معها في مختلف الأوقات والظروف، ويصبح أكثر ضرورة وإلحاحاً حين تسيل الدماء وتضطرب القلوب ويكثر التجييش والتحريض.
يشكل التحليل الهادئ للأحداث مدخلاً أساسياً نحو تعامل وطني ومسؤول معها في مختلف الأوقات والظروف، ويصبح أكثر ضرورة وإلحاحاً حين تسيل الدماء وتضطرب القلوب ويكثر التجييش والتحريض.
انتهى «مؤتمر الحوار الوطني» الذي عُقد يوم الثلاثاء الماضي، 25 شباط 2025، إلى بيان ختامي ضمّ 18 بنداً، قاربت عدداً من القضايا الأكثر أساسية التي تشغل الشارع السوري. ومع صدور البيان وانتهاء الاجتماع الذي انحصر في يومين، يومٌ للتعارف ويوم للعمل، بات من الممكن تقديم تقييم إجمالي للتجربة. ولعل من المفيد أن نرتب عملية التقييم عبر حصر الإيجابيات والسلبيات الأساسية، وصولاً إلى الخلاصات.
تتربع مسألة الوضع المعيشي شديد الصعوبة الذي يعيشه أكثر من 90% من السوريين، على رأس قائمة الأولويات الوطنية؛ ليس من بابٍ إنساني وأخلاقي فحسب، وهما جانبان كافيان بذاتهما، بل ومن الباب الوطني أيضاً، ومن باب الحفاظ على السلم الأهلي وضرورة قطع الطريق على التدخلات الخارجية الضارة، ومطامع التقسيم والتخريب التي تحاول الدخول من كل ثغرة ممكنة، وتقف وراءها جهات متعددة على رأسها تجار الحرب والفاسدون الكبار والعدو «الإسرائيلي» الذي لا يخفي-بوقاحته المعهودة- نواياه المعلنة في العمل من أجل تقسيم سورية.
جرى الإعلان يوم الأربعاء الماضي، 12 شباط 2025، عبر بيان صادرٍ عن الرئاسة السورية، عن تشكيل اللجنة التحضيرية لـ«مؤتمر الحوار الوطني»، والتي ضمت في تشكيلتها 7 أعضاء.
تَشغل مواضيعُ مثل: السلم الأهلي، وحصر السلاح، والعدالة الانتقالية، والتحضير للمؤتمر الوطني، والحكومة الانتقالية، والتعددية السياسية والديمقراطية، والدستور المطلوب، والعلاقات الخارجية لسورية الجديدة، حيزاً مهماً من النقاش العام على مستوى السياسيين والمثقفين، وعلى المستوى الإعلامي. وهي جميعها، وبكل تأكيد، مواضيع مهمة لحاضر سورية ومستقبلها، وتشغل بال عموم السوريين، ولكنها مع ذلك لا تشكل في هذه اللحظة الهاجس الأكبر، والهم الأكبر بالنسبة للغالبية الساحقة منهم...
شهد السوريون يومي الأربعاء والخميس الماضيين، 29 و30 كانون الثاني 2025، مشهدين متتالين، يشكلان معاً لوحة واحدة محصلتها العامة يمكن أن تكون إيجابية، ويمكن أن تعد بالخير في حال تم تطبيقها واستثمارها بشكل صحيح.
«بعد أيام قليلة من فرار بشار الأسد، بدأت محاولاتٌ لتفجير السلم الأهلي في عدة أماكن في سورية، ساهم بها تجار الحرب السابقة بأشكالهم المختلفة، وبالتأكيد، هنالك أيادٍ خارجية على رأسها الصهيوني، تحاول دفع الأمور نحو الدم. تم حتى الآن تطويق التجربة الأولى للتفجير، والعامل الأول في منعه كان وعي السوريين الذي اكتسبوه ودفعوا ثمنه عذابات كبرى ودماء غزيرة، وتوقهم إلى إنهاء الاقتتال. ولكن هذه التجارب ستتكرر...».
«هل انتصرنا؟... لقد هُزمت (إسرائيل) في السابع من تشرين الأول... والآن، عندما يتذكر الجهاديون، كارهو (إسرائيل)، السابع من تشرين الأول، فسوف يحتفلون، وسوف تحزن (إسرائيل). وهذا، بالمناسبة، مؤشر آخر على من انتصر».
تم الإعلان عن تأجيل موعد مؤتمر الحوار الوطني مرتين حتى الآن. ورغم أن هذا الأمر قد يبدو سلبياً بالنسبة للبعض، بسبب وجود رغبة كبيرة لدى السوريين بالانطلاق نحو مرحلة جديدة في سورية، عنوانها وحدة الشعب السوري واشتراكه بشكل فعال في إعادة بناء بلده، إلا أن عملية التأجيل هذه يمكن أن تحمل أيضاً إشارات إيجابية حول وجود قناعة بأن المؤتمر بحاجة لتحضير جيد، ولاشتراك واسع، وتوافق واسع بين الأطياف والقوى السورية المختلفة.
تشبه الظروف التي تمر بها البلاد اليوم، ظروف تأسيسها الأولى قبل قرن من الزمان؛ رغم أن الأوضاع العالمية والإقليمية، سياسياً واقتصادياً مختلفة اختلافاً كبيراً، إلا أن إرادة السوريين بإعادة اللُّحمة لبلادهم، وبلم شملها من جديد، هي الإرادة نفسها التي كانت لدى المؤسسين الأوائل؛ من يوسف العظمة إلى سلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو ومحمد الأشمر ورمضان باشا شلاش وإسماعيل الحريري ورفاقهم، وصولاً إلى مرحلة الاستقلال ورجالاتها الكبار، وبينهم عبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري وخالد العظم وآخرين، والذين تعالوا فوق الانتماءات الضيقة، وفوق الاتجاهات الفكرية المتعددة، وجمعهم تيار عام كبير هو تيار الوطنية السورية.