افتتاحية قاسيون 1257: ترامب ونتنياهو زائلان والجولان سوريٌ وسيبقى!
يوم الخميس الماضي، 19 كانون الأول، وخلال احتفاله بعيد «حانوكا» اليهودي في البيت الأبيض، أطلق ترامب جملة من التصريحات بما يخص الجولان السوري المحتل، متفاخراً بأنه «منحه لإسرائيل»، وأنه أرض غنية تساوي ترليونات الدولارات، مذكراً بذلك بالقرار الذي اتخذه في ولايته الأولى، وتحديداً يوم 25 آذار 2019، بالتوقيع على مرسوم رئاسي أمريكي يعترف بـ«السيادة الإسرائيلية الكاملة على مرتفعات الجولان السوري».
لم تصدر أي ردة فعل رسمية سورية، حتى كتابة هذه الأسطر، على تصريحات ترامب، واقتصر الأمر على توجيه شكر لترامب يتعلق برفع عقوبات قيصر عن سورية؛ أي شكرٌ على ما يبدو أنه كفٌ للأذى الأمريكي الاقتصادي عن الشعب السوري؛ لأن العقوبات منذ يومها الأول، لم تستهدف إلا إضعاف سورية ككل، والشعب السوري عامةً، ولم يتضرر منها في حقيقة الأمر إلا السواد الأعظم من السوريين، في حين تمكنت سلطة الأسد وكبار حيتانها من الالتفاف على العقوبات دائماً، بل والاستفادة منها في تكريس عمليات النهب والتحكم.
إلى جانب التأكيد المبدئي على أن الجولان أرض سورية محتلة، شاء ترامب ذلك أم لم يشأ، فإن النقاط التي يمكن تسجيلها بهذا الخصوص هي التالية:
أولاً: ينبغي الانتباه إلى التزامن غير التصادفي لثلاثة قرارات اتخذها ترامب بخصوص سورية؛ فإلى جانب إنهاء «قيصر»، أعاد ترامب التأكيد على قراره «منح» الجولان السوري لـ«إسرائيل»، ومنع السوريين من دخول الولايات المتحدة... هذه القرارات الثلاثة هي أوجه متعددة مترابطة لمسألة واحدة، ولسياسة واحدة، ولا ينبغي فهمها إلا كذلك!
ثانياً: تثبت الولايات المتحدة الأمريكية، سواء تحت رئاسة ترامب أو بايدن أو غيرهما، أن لها حليفاً واحداً في منطقتنا هو «إسرائيل»، وأنها لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون حليفاً لسورية، بل هي تناصبنا العداء جميعاً، كمجتمع وكقوى سياسية وكدولة، وأن وجود سورية نفسها كوحدة جغرافية سياسية مستقرة ومستقلة، هو أمرٌ مخالف لاستراتيجياتها على طول الخط، وأن المطلوب هو العكس تماماً؛ أي التفجير والتقسيم، ليس بُغية تفجير سورية فحسب، بل لتتحول إلى صاعق تفجير لكل المنطقة، وخاصة لتركيا والعراق والسعودية ومصر ووصولاً إلى إيران، في محاولة لتطويق القوى الصاعدة عالمياً، الصين، روسيا، الهند، وتحالف شنغهاي/بريكس ككل.
ثالثاً: المخالفة العلنية والصريحة والوقحة للقانون الدولي في موضوع الجولان السوري المحتل، يحمل دلالة بالغة على موقف واشنطن من القانون الدولي، ومن سيادة الدول واستقلال شعوبها؛ ويظهر ذلك بوضوح في النظرة الاستعلائية الجاهلة التي يقدمها المسؤولون الأمريكيون حول بلادنا، حين يعتبرونها مجرد تجمع لعشائر وقبائل وطوائف، لا تمتلك هوية تاريخية ولا ثقافة؛ والمقصود بطبيعة الحال هو وضع الأرضية «الفكرية» لعمليات التفتيت والتقسيم والاحتراب الداخلي، الذي يجري الدفع نحوه على أسس قومية ودينية وطائفية.
رابعاً: أهمية الجولان في هذا السياق ليست أهمية رمزية ووطنية فحسب؛ فالمطلوب هو كسر الحالة القانونية والسياسية لحدود سورية، ومحاولة تثبيت هذا الكسر؛ والذي من شأنه فتح الباب نحو إعادة تعريف كامل الحدود، وصولاً إلى وضع وجود سورية نفسها كدولة على طاولة البحث، وباتجاه تقسيمها وتفجيرها. ولذا فإن التمسك بحقنا في الجولان، ليس دفاعاً عن الجولان فحسب، بل هو دفاع عن كل شبر في سورية، شمالاً وشرقاً وغرباً وجنوباً.
إن العجرفة الأمريكية-«الإسرائيلية»، والتي تترافق للأسف مع انحطاط وخضوع قسم مهم من «النخب» المحلية، ليست إلا رأس جبل الجليد؛ فالوقائع الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية في العالم بأسره، تقول بصوت واضح: إن الأمريكي ومعه حليفه في منطقتنا، ومعهما الأوروبي، يعيشون حالة تراجع تاريخي عاصف على مختلف المستويات، وعطالة القوة والهيمنة والبطش التي تظهر على السطح الآن، هي بقايا قوة متداعية متراجعة، ولن يطول الوقت حتى تتبخر لتظهر الوقائع الجديدة.
وفي السياق، نعيد التذكير بما سبق أن قلناه في افتتاحية سابقة لقاسيون وهو: «من يصمد ينتصر، من يفرّط يُهزم»، وهذا صحيح اليوم كما كان بالأمس، ولعله أكثر صحة!
(English Version)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1257