افتتاحية قاسيون 1258: «حرامية... حرامية!»

افتتاحية قاسيون 1258: «حرامية... حرامية!»

يوم 17 شباط 2011، في سوق الحريقة الدمشقي، وقبل أيّ تدخلات خارجية، وقبل أي تدفق لمالٍ أو سلاح، وكنتيجة طبيعية وعفوية لتراكم القهر والظلم والغضب، هتفت جموع من السوريين في وجه السلطة وممثليها:

 

«حرامية... حرامية»، وهتفت: «الشعب السوري ما بينذل».

هذان الهتافان وحدهما، قادران على تكثيف البرنامج السياسي الكامل الذي كان يعتمل في قلوب السوريين وعقولهم؛ فهما يعبران عن الجانبين الأساسيين من مطالب السوريين وحلمهم: الجانب الاقتصادي الاجتماعي، المعيشي، اللقمة الكريمة في وجه اللصوص الذين يسحبونها من أفواه الناس، والجانب الديمقراطي، أي الحياة الحرة الكريمة بالضد من القمع والتغوّل الأمني على حريات الناس وكراماتهم.

ورغم مرور 15 عاماً، ورغم سقوط سلطة الأسد، فإن هذين الشعارين ما يزالان جوهر مطالب الناس، والمعبر الحقيقي عن وجدانها؛ فالنظام المطلوب إنهاؤه وتغييره تغييراً جذرياً هو في جوهره طريقة توزيع الثروة في البلاد، وطريقة إدارتها وتوزيع السلطات فيها.

الانقسام الحقيقي ضمن سورية، كان وما يزال بين «الحرامية» و«المعترين»؛ حيث «المعترين» هم الـ 90 % وأكثر، هم الأكثرية الساحقة المنتمية لكل القوميات والأديان والطوائف، والتي لا ينوبه من ثروة بلادها التي تنتجها بأيديها وبعرقها، إلا النزر اليسير الذي لم يعد يتجاوز 10% من مجمل الثروة، في حين تحوز قلة قليلة تنتمي أيضاً لمختلف القوميات والأديان والطوائف على أكثر من 90% من الثروة.

المعركة الحقيقية كانت وما تزال بين «الحرامية» وبين «المعترين»، ودخلت فيها عبر السنوات أدوات متعددة أخطرها التحريض القومي والطائفي، بوصفهما سلاح الدمار الشامل ضد سورية وأهلها، وضد «معتريها» بالدرجة الأولى؛ فأولئك الذين يقومون بالتحريض الطائفي، هم أنفسهم في نهاية المطاف «الحرامية»، من كل القوميات والأديان والطوائف؛ لأن تقسيم الناس بعيداً عن مصالحها الحقيقية، يعني تحويلها إلى عسكرٍ ودمٍ مسفوحٍ على مذبح مصالح «أمراء الطوائف» من مختلف الأطراف.

أنْ تهاجم طائفةً من الطوائف، أو قوميةً من القوميات، معتبراً إياها جماعة قائمة بذاتها متمايزة عن بقية السوريين من كل الجوانب، ولا يجمعها بهم شيء، بدعوى أنك «وطني» و «معادٍ لإسرائيل» وتقف ضد التقسيم، فاعلم أنك إنما تخدمُ «إسرائيل» بهجومك وتحريضك الطائفي، سواءَ كنت تعي ذلك، أو دفعك إليه جهل، أو تحريض أعمى.

وبالمثل، أنْ تهاجم طائفةً من الطوائف، أو قوميةً من القوميات، معتبراً إياها جماعة قائمة بذاتها متمايزة عن بقية السوريين من كل الجوانب، ولا يجمعها بهم شيء، بدعوى أنك «ضد الإرهاب» وضد «الانتهاكات»، فاعلم أنك إنما تخدم «إسرائيل» وتخدم مشروعها، وتخون أبناء وطنك بكافة انتماءاتهم، وتدفع بهم وبنفسك إلى التهلكة.

واقع الحال، أن «النخب» المسيطرة التي تتبنى الطروحات الطائفية، جميعها دون استثناء، تخدم في نهاية المطاف مصالح الحرامية من كل الفئات، حتى ولو ظهرت متناحرة متصارعة متعادية، فمشروعها واحد متقاطع تماماً مع المشروع «الإسرائيلي»، أعلنت ذلك أم أعلنت عكسه، وهو تقسيم البلاد وإنهاؤها وتقسيم شعبها إلى «رعايا» منهوبين مُفقرين لـ«أمراء الطوائف» وتجار الحرب، الذين ينتمون إلى مختلف الأطراف.

المخرج الوحيد من المستنقع هو إبطال سلاح الطائفية، سلاح التدمير الشامل للبلاد وأهلها، عبر وحدة المعترين ضد الحرامية، الوحدة التي لا مدخل لها إلا مؤتمر وطني عام شامل وكامل الصلاحيات، يضم القوى السياسية والاجتماعية في سورية دون استثناء، وعلى طاولته العلنية، يجري التوافق على مختلف الأمور العالقة، بما فيها شكل الحكم، والدستور، والعلاقة بين المركزية واللامركزية، وبما فيها كيفية إعادة توزيع الثروة لمصلحة المعترين الذين هم أنفسهم الشعب السوري، وإنْ كان هنالك من «أغيار» فإنما هم الحرامية المنتمون إلى كافة القوميات والأديان والطوائف!

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1258
آخر تعديل على الأحد, 28 كانون1/ديسمبر 2025 18:41