افتتاحية قاسيون 1256: الفرصة قائمة ومفتاحها داخلي!
رغم الجهود الكبيرة التي يجري بذلها لإضفاء أجواء احتفالية على الوضع السوري الراهن، إلا أن الأمر يبدو– وفقاً للمثل الشعبي- كمن «يرش على الموت سكراً»؛ فالوقائع واضحة وصارخة بعمق المأساة المتراكمة والمتفاقمة... بدءاً من الوضع السياسي العام الذي ما تزال سورية بموجبه عبارة عن مجموعة من المناطق التي تحكمها سلطات مختلفة، وتسود فيها فضاءات اقتصادية متعددة، ومروراً بالأوضاع الاقتصادية الكارثية والإجراءات والتوجهات الليبرالية المعادية لمصالح أكثر من 90% من السوريين، والمتوافقة مع وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، وليس انتهاءً بالأوضاع الأمنية التي تزداد خطراً يوماً بعد يوم، بفعل التدخلات الخارجية المدمرة، وخاصة «الإسرائيلية»، وبفعل ارتفاع مستوى التحريض الطائفي وغياب المشاركة السياسية الحقيقية، بل والسعي الواضح من أجل تطويق الحراك السياسي للناس مجدداً.
رغم أن الصورة تبدو قاتمة ومنذرة بمزيد من الكوارث، إلا أن الكوارث المتراكمة نفسها، يمكنها أن تفتح الباب أمام فرص كبرى؛ فرصٍ ربما لم تكن متاحة في يوم من الأيام بقدر ما هي متاحة اليوم، ولكنها مشروطة بطبيعة الحال، بالتقاطها واستثمارها بشكل صحيح...
بين هذه الفرص ما يلي:
أولاً: لطالما كانت النزعات الطائفية والقومية موجودة ضمن المجتمع السوري نتيجة التخلف الاقتصادي والتخلف في التنمية، وغياب المشاركة السياسية الحقيقية، وتسيد الفساد الكبير والنماذج الاقتصادية التي تخدمه، الأمر الذي أدى بمجموعه إلى تشويه الهوية الوطنية ومنع استكمال بنائها. هذه النزعات، بقيت طوال عقودٍ مخبأة تحت السطح، ولكنها ابتداءً من 2011 بدأت تطل برأسها، وخاصة عبر تحريض خارجي وداخلي، استخدم الإعلام والسياسة والعسكرة، ويمكن القول: إننا وصلنا اليوم إلى ذروة ظهور هذه النزعات، وأن الناس لما رأت الأمر ملموساً أمامها، بدأت تقتنع سريعاً بأن هذا الاتجاه مدمر وغير قادر على حمايتهم أو ضمان مستقبلهم، بل قادر فقط على ضمان مزيد من الدمار والحروب والاقتتال... أي أن المسألة الطائفية قد تم وضعها على طاولة الحل الفعلي موضوعياً، بشكل لا يكاد يكون له مثيل إلا في مرحلة الاستعمار الفرنسي، التي استطاع الآباء الأوائل أن يقدموا نموذجاً متقدماً في حلها، ووضعوا الأساس الذي يمكننا اليوم الاستناد إليه، لحلها مرة وإلى الأبد، انطلاقاً من شعار «الدين لله والوطن للجميع».
ثانياً: الموقع الجغرافي السياسي لسورية كان دائماً ميزة مطلقة تمتلكها سورية، ولكنه استثمر لتعزيز السلطات لا لتعزيز الدولة؛ فتحول إلى نقمة عليها، خاصة مع اتجاه السلطات المختلفة لكسب الشرعية من الخارج لا من الداخل.
ثالثاً: الميزات المطلقة والنسبية في الاقتصاد السوري كثيرة ومتعددة، ويمكن البناء عليها وتحقيق نمو وتنمية حقيقيين، ولكن المدخل هو إعادة توزيع الثروة والسلطة بشكل حقيقي لمصلحة الناس، ضمن نظام سياسي متطور يضمن حقوقهم، ويضمن قدرتهم على الدفاع عن تلك الحقوق عبر حريات سياسية فعلية.
رابعاً: رغم حالة القلق الهائل الذي يمر به العالم بأسره من وجهة نظر تغيّر موازين القوى، إلا أننا نعيش عصراً غير مسبوق من تراجع الأمريكي، ومعه ضمناً «الإسرائيلي»، وذلك بالضد تماماً مما يجري ترويجه في الصورة الإعلامية... (لأن الاقتصاد قبل غيره هو نقطة الانطلاق الأولى التي يمكن الركون إليها في تقييم وضع الدول)... هذا الوضع الدولي الجديد، والمترافق مع صعود الاتجاه نحو تحالفات إقليمية جديدة تضم دولاً وأنظمة كانت حتى الأمس القريب متناقضة متعادية، كما هو الحال مع السعودية وإيران وتركيا ومصر، هو فرصة ثمينة لسورية، بما في ذلك عبر الاستفادة من مشروع الحزام والطريق.
بوابات الفرص هذه جاهزة لنفتحها على مصراعيها، ولكن مفتاحها داخلي وليس خارجياً، ويبدأ بتوحيد السوريين عبر الحل السياسي الشامل المستند إلى التوجهات والأهداف الأساسية للقرار 2254، وعبر المؤتمر الوطني العام الشامل كامل الصلاحيات الذي يضم كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، ويضع كل الملفات العالقة على طاولة النقاش بين السوريين، للوصول إلى حلول مشتركة وتوافقية...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1256