عشتار محمود
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
تبدو سوق السلع المحلية مرتبطة بتغيرات الدولار... وهذا صحيح، فالدولار يتحول إلى أداة التسعير في السوق السورية اليوم، رغم كل القوانين والتشريعات التي تبقى (حبراً على ورق) لأن القوانين الموضوعية في السوق هي التي تفعل فعلها. ولكن هل الدولار فعلياً هو محدد الأسعار؟!
يطرح السوريون سؤالاً بسطياً ومنطقياً: لماذا ترتفع الأسعار مع ارتفاع سعر الدولار، ولكنها لا تنخفض مع انخفاضه؟! والإجابة يمكن أن تكون بسيطة حيث لا ثقة للسوق بأن انخفاض الدولار مستمر بل يعلمون أنه مؤقت... ولكن أبعد من هذا، تكشف هذه الحالة أن التسعير لا يرتبط بالدولار إلّا جزئياً، وهو فعلياً يرتبط بفقدان الثقة بالليرة وسوق المضاربة على السيولة.
قبل سنوات الأزمة كان يمكن لأهل قدسيا والهامة أن يروا في الصباح الباكر من يوم 24 تموز ظاهرة غير معتادة في سورية، مجموعة من الشباب يرفعون الأعلام السورية وصور يوسف العظمة ولافتات تقول: (على درب يوسف العظمة سائرون) ويمرون في الساعة السادسة صباحاً تقريباً على طريق بيروت القديم حيث تجري بقايا نهر بردى بجوار بلدات ريف دمشق الغربية دخولاً إلى القلمون الغربي وصولاً إلى ميسلون حيث يوجد ضريح يوسف العظمة.
«العالم في حالة اضطراب... الاقتصاد في حالة سقوط حر... والفيروس قد كشف مستوى الهشاشة العالمية».
لا أحد يستطيع أن يقدّر الحجم الفعلي لتراجع الإنتاج الصناعي السوري سواء في عام 2019 أو في العام الحالي 2020... ولكن جولة سريعة على المناطق الصناعية، وتحديداً في ريف دمشق ومناطق الكسوة والباردة تشير إلى أن حجم التراجع كبير! وضمن عينة بسيطة، فإنّ المعامل تشتغل بثلث طاقتها في أفضل الأحوال، وفي حالات أخرى يتم تشغيل 5% من طاقات المنشآت فقط لا غير...
لا يوجد اليوم أي عامل داعم لاستدامة الصناعة الخاصة، إنها تفقد كل عوامل مناعتها التي ساعدتها على الاستمرار في أصعب الظروف الأمنية وفي أكثر سنوات الأزمة حدّة بين 2013-2016. ولكن المفارقة أن الصناعيين باتوا (يترحمون اليوم) على (سنوات القذائف)! مقابل ما يحصل اليوم... حيث تتداعى كامل البنية الاقتصادية الاجتماعية التي تؤمن استدامة التشغيل.
لطالما مثّل الوضع اللبناني ورقة عبّاد شمسٍ تعكس التناقضات والمتغيرات الدولية والإقليمية، وكذلك تناقضات البُنى المحلية، حيث تتداخل مكوّنات ما قبل الدولة الوطنية والإقطاع السياسي والكومبرادور، مع مشروع وقوى وطنية جدية تتواجد في ساحة صغيرة واحدة، وليكتمل الانعكاس، فإن هذه الساحة مضاءة بأداء إعلامي مركّز على كل الجبهات.
يقف البعض على (أطلال) ما قبل الأزمة ليتغنوا ويقولوا: (أين كنّا وأين أصبحنا!) وهو بالفعل سؤال محقّ، ولكن الإجابة موضوعياً تقول: إننا كنا عند حد الكفاف، أما اليوم فقط سقطنا في أعماق الفقر. وهذا بالطبع حال معظم السوريين، وتحديداً الشغيلة العاملين بأجر الذين كانت ولا زالت منظومة توزيع الثروة والدخل في سورية تعطيهم أجراً لا يكفي للاستمرار!
انتهت (العملية الأمنية لمواجهة المضاربة) التي لم نر منها إلاّ صوراً فايسبوكية لدولارات مكدسة، وما بعد هذه الإجراءات انخفض سعر السوق المتداول بنسبة 30% وارتفع سعر المركزي بنسبة 80% تقريباً، ومع ذلك لم يلتقيا حتى الآن... والأهم: استمرت مجمل الأسعار، ومنها: الأغذية بالصعود لترتفع خلال أسبوعين بنسبة فاقت 38%، وكل هذا ولم يكن قانون قيصر قد دخل حيّز التطبيق بعد!
يئن الاقتصاد العالمي في هذه اللحظات بصمت... لا انهيارات كبرى جديدة، أو أحداث مالية واقتصادية عاصفة، ولكن الركود يتعمّق وينذر بالكثير: تقديرات حجم التراجع واستدامته، البطالة التي ترتفع، الأعمال التي تُغلق، الأسعار التي تتدهور... بينما السلطات العالمية بدأت تفصح عن تقديراتها مؤكدة أن (حالة عدم اليقين استثنائية) وما من ضمانة لما يسمى (بالتعافي) القريب.
العقوبات الغربية المطبقة على سورية هي جريمة إنسانية تُضاف إلى السجل الغربي الحافل دولياً... لقد أصبحت العقوبات الأداة الأمريكية رقم (1) لاستدامة الفوضى في البلاد، وتمهيد أرضية من التدهور الاجتماعي تفتح كل الاحتمالات، وهي تعتمد اعتماداً كلياً على سياسات (الصمود) السابقة والمستمرة التي تجعل نخب الفساد الكبرى السورية قادرة على إدارة الدفّة إلى حيث يريد الأمريكيون.
العقوبات ليست جديدة على الاقتصاد السوري الذي يحتاج اليوم للخروج من هاوية الجوع والعوز والتدهور، ولن يستطيع أن يفعل ذلك جدياً إلا بسياسات هجومية ممكنة في عالم اليوم واللحظة الدولية التي نعيشها. إن جوهر الهجوم على العقوبات هو الهجوم على الدولار أداة هيمنة النظام المالي الغربي، واستبعاد وساطة المصارف الدولية وفروعها المحلية والإقليمية، وهو ما تفعله دول عديدة عبر العالم، ليست في معركة وجود كما هو حال سورية!
العقوبات الاقتصادية التي من المرتقب أن يتشدد تطبيقها على البلاد في منتصف حزيران القادم، ستمثل انعطافة جديدة في التدهور السوري، فيما لو بقي الوضع على حاله... الكثير يُقال في مواجهة العقوبات، ولكن الآلية الأساسية واحدة لا بديل لها: (إزاحة الدولار) فالدولار هو أداة تطبيق العقوبات الأساسية، وتقليص وزنه في الاقتصاد السوري يقلص فعالية العقوبات. فهل هذا التقليص ممكن؟ نظرياً نعم، ولكن عملياً تقف المصالح السياسية للطبقة السائدة داخل البلاد عائقاً جدياً.