غوتيريش يصرخ من قلب المنظومة (لعهد جديد)!
«العالم في حالة اضطراب... الاقتصاد في حالة سقوط حر... والفيروس قد كشف مستوى الهشاشة العالمية».
هذا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في الثامن عشر من الشهر الحالي، معتبراً أن «العالم على مفترق طرق بسبب عدم المساواة... التي تهدم مستقبلنا».
المسؤول عن أعلى منظمة عالمية يقول إن الفايروس كشف بأن «النظام الاقتصادي والسياسي العالمي غير قائم على أساس تقديم الأساسيات الاجتماعية الحرجة: الصحة العامة، حماية البيئة، التنمية المستدامة وإلخ»... داعياً إلى اتفاق عالمي جديد (new global deal)، وهو التشبيه الذي يكثر استخدامه اليوم داخل الولايات المتحدة وتحديداً في صفوف الحزب الديمقراطي وحديثاً من جانب الأمم المتحدة... والمستند إلى (new deal) مرحلة إدارة الرئيس الأمريكي روزفلت لأزمة الكساد الكبير في الثلاثينيات، والتي يستذكرها التاريخ الأميركي «الرسمي» بأنها مرحلة حصل فيها الأمريكيون على تعويض بطالة وخدمات اجتماعية أخرى وقامت الحكومة الفيدرالية خلالها بأوسع عملية تشغيل للعاطلين عن العمل... ويسقط من «التاريخ الرسمي» بطبيعة الحال أي حديث عن معسكرات اعتقال العمال الأمريكيين الجماعية التي وضعتهم في ظروف أقرب إلى ظروف العبودية، لتكثف استغلالهم وتراكمه استعداداً للاتفاق الجديد الحقيقي: اتفاق ما بعد الحرب.
على أي حال، فإنّ المفارقة تبدو درامية، (فالفيروس الصغير) أسقط دفعة واحدة وبتسارع كبير كل جبروت المنظومة الغربية المهيمنة عالمياً، وانقشع فجأة كل الدخان والبروباغندا التي غطت عنفها وهشاشتها.
اليوم أصبح الأمين العام للأمم المتحدة مضطراً للوقوف والقول بأن التعافي ليس قريباً وأن السقوط الاقتصادي مدوَ؛ حيث يتوقف النمو العالمي، وتتباطأ التجارة، وسلاسل الإنتاج التي كانت مرتبطة على مستوى العالم تتقطع والغرب يزداد ميلاً للعزلة وللعدوانية التي تتمثل دون (رتوش) بمركزٍ واحدٍ، يمثل ترامب واجهةً له!
أصبح من المنطقي فجأة أن نسمع الأمين العام للأمم المتحدة ينتقد أهداف المنظومة، ويقول إنها متناقضة مع أساسيات الاستمرار الاجتماعي! فالوباء وضع مجمل منظومة الدول الغربية أمام سؤال واضح: أيهما نختار إنقاذ الربح أم إنقاذ الناس؟! وكان الجواب واضحاً بأن الخيار هو إنقاذ الكبار وترك الناس لمصيرهم. فالمنظومة لا متسع لديها لتحمي المجتمع صحياً وتنتشله من البطالة، ولكن لديها تريليونات الدولارات للكبار الذين جنوا أرباحاً استثنائية في وقت قصير.
التحدّي الأكبر الذي يواجه الغرب هو أن سقوط النموذج الأمريكي، قابله لمعان النموذج الذي تستهدفه البروباغاندا الغربية منذ عقود، وأصبحت مقولة (الأنظمة الشمولية) مفرّغة وسطحية. لأن هذه النماذج غير الغربية وتحديداً الصين، أدارت المعركة اجتماعياً واقتصادياً بكفاءة أعلى، وبات مؤكداً أنها أكثر قدرة على مواجهة تحديات الاقتصاد العالمي المتهاوي، والأهم أن مثل هذه النماذج أجابت على السؤال الأساسي بالقول إن المجتمع والناس وحاجاتهم هي الأولوية...
ولكن هل هنالك إمكانية في الغرب (لعهد جديد) كما يدعو الأمين العام وغيره؟! إن سياسات روزفلت في الثلاثينيات بما فيها معسكرات اعتقال العمال، كانت جزءاً من عمليات التحضير للحرب العالمية الثانية بوصفها الأداة الفعلية والعملية لتنفيذ «العهد الجديد» الذي تموّل من جنون الحرب العالمية الثانية... إن التنازلات الجزئية التي قدمتها المنظومة الأمريكية لمجتمعها في المراحل التالية للحرب العالمية الثانية، كانت على حساب الدمار العالمي في أوروبا وروسيا تحديداً وربح النخبة منه.
اليوم لا تستطيع المنظومة أن تبني عهداً جديداً وتقدم تنازلات إلا إذا أوقدت حرباً بما يفوق الحرب العالمية الثانية وربحت منها... وهو ما أصبح صعباً وأقرب للمستحيل! وهو ما تحاول المنظومة فعله منذ مطلع الألفية بوتيرة أعلى عبر العدوان الأمريكي العالمي والحروب المتفرقة والفوضى الخلاقة، دون أن تحقق نجاحات كبرى، لأن الهدف لم يتحقق فلم تمنع تقدم الآخرين ولم تستطع أن توقف تراجع منظومتها وتحافظ على الهيمنة.
لا عهد جديداً إلا الذي ستنتزعه قوى العالم الراغبة والقادرة على السير للأمام نحو منظومة بديلة... تكون بالفعل قائمة على ملاقاة الحاجات الأساسية والمتطورة للبشر؛ منظومة تحقق أعمق عدالة اجتماعية وأعلى نمو، وتكون غايتها تطور الجميع، منظومة كانت تسمى الاشتراكية، منظومة لا يزال اسمها الاشتراكية.