عشتار محمود
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
للعام الثاني على التوالي تُخفّض تركيا في هذا الوقت من العام منسوب نهر الفرات، لتقل كميات التدفق المائي الداخلة عبر النهر بنسبة 40% عمّا هو متفق عليه في آخر تفاهم بين تركيا وسورية... حبس المياه وتخفيض منسوبها أصبح متكرراً، ولكن وقعه وتأثيره يختلف من عام لآخر، وفقاً لمستوى وفرة الأمطار، فالبلاد متروكة دون إدارة مائية شاملة لعقود بما لا يتناسب مع مستوى التدهور المائي السوري السريع.
عندما يتكلم أصحاب الأعمال السوريون عن آليات تكيّفهم واستمرار أعمالهم في الظروف السورية القاسية، تتكرر مقولة واحدة: (أجرة الشغيلة انخفضت) هذه الحقيقة هي (العامل الإيجابي) الوحيد لقطاع الأعمال في سورية، فكل التكاليف ارتفعت: المواد الأولية، والنقل، وتحويل الأموال، وتكاليف الفساد وغيرها، ولكن بقي الشغيلة بأجورهم، بل بتعبير أدق (بجوعهم) ينتشلون بقايا الإنتاج السوري!
يتركز أثرى أثرياء العالم، المتوجون علناً بثروات من مئات مليارات الدولارات، في قطاع خدمات التكنولوجيا العالية، وتحديداً الخدمات المرتبطة بقطاع المعلومات والاتصالات... من جيف بيزوس إلى إيلون ماسك، بيل غيتس وزوكربرغ وصولاً إلى جاك ما. والسر بسيط، فهؤلاء يمتلكون أهم السلع في عالم اليوم وأعلاها قيمة: البيانات... تلك التي نعطيها بسهولة وبساطة مع كل استخدام للخدمات الإلكترونية الموصولة على الشبكة، قاعدة معلومات تتيح الكثير من السيطرة.
عشرة أعوام وأزمتنا مستمرة، وتدهور قيمة الليرة الذي نراه في ارتفاع مستويات الأسعار هو عنوانها الاقتصادي الأبرز... إذ يعكس جملة التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضاً. فهذا الارتفاع الجنوني في الأسعار هو عملياً وصول الفقر إلى نسبة تفوق 85% من السوريين، وهو أيضاً وصول الجوع ليشمل قرابة ثلثي السوريين الموجودين في البلاد، وهو أيضاً التعبير عن حماية كبار الأثرياء لثرواتهم عبر سلعهم التي تحافظ على قيمتها وأبرزها: الدولار والذهب.
تشهد مصر منذ عام 2016 موجة جديدة من اتساع مستوى الديون والخارجية منها تحديداً. ورغم السهم الصاعد لحجم الديون التي تجر الديون، إلّا أن التسويق الذي يشهده النموذج المصري المكرّر كبير جداً... إذ تنتشر «المانشيتات العريضة» حول مصر كأهم اقتصاد في المنطقة والأعلى نمواً بين الدول الناشئة، بينما مؤشرات أساسية تقول: إنّه لا جديد تحت الشمس، ومصر تتبع النموذج التقليدي الذي جربته سابقاً مع غيرها، حيث تتدفق الموارد الخارجية وتزداد البنية الاقتصادية والاجتماعية هشاشة.
تدور في الدوائر النقدية العالمية حكايات أخرى... تبدو فيها حدّة الصراع الدولي متجلية أيضاً كما في كل ميادين الاقتصاد الدولي، ولكن مع فارق أن معادلات السباق هنا تتغير بسرعةً وتبدو أكثر حسماً، لتميل فيها الكفّة نحو آسيا. فالنظام المالي والنقدي العالمي يسير نحو العملات الإلكترونية على أساس ثورة في القواعد التكنولوجية والبنى التحتية للاتصالات، وهذه العملية تسبق فيها الصين بلا منازع، وتنتقل من التجريب المحلي لليوان الإلكتروني إلى إطار إقليمي ودولي لهذا التبادل قد يكون عنصراً هاماً في تدويل اليوان.
ارتفع عدد السوريين اللاجئين في الخارج ليقارب عدد النازحين في الداخل، ليشكل كل هؤلاء السوريين غير المستقرين من لاجئين ونازحين نصف عدد السوريين التقديري الإجمالي، الذي يجب أن يقارب 26 مليون بافتراض ثبات في معدلات النمو السكاني... وهو الافتراض الحكومي غير المستند إلى البيانات، ولكنه الوحيد المتاح بكافة الأحوال. وعدا عن اللاجئين والنازحين بأرقامهم الضخمة وأزمتهم الإنسانية، فإن أرقام المهاجرين تبدو أقل شأناً أو أقل قدرة على الرصد والتقدير، الأمر الذي لا يعني أنها قليلة أبداً!
لا يهم ما هو رقم الدولار مقابل الليرة، الأهم اليوم في ظل الجوع المتوسع هو: رقم الليرة مقابل الغذاء... انهيار الليرة بهذا المقياس هو أعلى وأخطر، وأسعار الغذاء تقفز بمعدلات تفوق سعر الدولار. فالمسألة لم تعد متعلقة بالاستيراد وسعر الدولار مباشرة، بمقدار ارتباطها (بالجلطة القلبية) التي يعاني منها الاقتصاد السوري، الذي لا يزال بعض مسؤوليه يقولون: إن (المؤشرات جيدة) ولكن (المشكلة بالمضاربين)!
خرج وزير الاقتصاد في مقابلة على التلفزيون السوري بتاريخ 24-3-2021 ليتحدث حول الواقع الاقتصادي، وحديثه كما يُقال تجاهل (الفيل القابع في الغرفة) أو ربما بشكل أدق (الحوت العائم في البركة) لأن هذا يشبه حالنا أكثر! بعد أن تحدث مطولاً عن مساعي الحكومة وجهودها، وتجاهل حقيقة: أن أفعال الحكومة عملياً بلا أثر! ولكن مع ذلك فإن هذه المادة تعتبر (دفاعاً عن الحكومة) باعتبارها جهازاً محدود الإمكانات يتم تحميلها وزر الآخرين.
عادة ما يقال بأن الحروب الكبرى تعقبها عملية تعويض طبيعية للخسائر البشرية... وتشهد المجتمعات طفرة نمو سكاني عقب الحرب، وهذا ما شهدته أوروبا والولايات المتحدة بعد كل من الحربين العالميتين، ولكن الحروب الكبرى التي تندلع وتنتهي وتعقبها مرحلة إعادة إعمار واسعة وناجحة قد تسمح بهذا التعويض! إلّا أنّ حروباً مستدامة كحروب منطقتنا التي لم تشهد بعد عقود خروجاً آمناً تمنع حتى آليات التعويض الطبيعية، وتستمر الأجيال في فقدان حق الأمومة والأبوّة ويخسر المجتمع من مستقبله.