إفتتاحية قاسيون العدد 597 : آليات حماية الفساد وتدمير الاقتصاد السوري
أشارت افتتاحية «قاسيون» الأخيرة إلى المحاولات الجارية لاستكمال جبهات الهجوم وتوحيدها بهدف تحقيق أكبر تصعيد وتوتير ممكن ما قبل الحوار القادم
أشارت افتتاحية «قاسيون» الأخيرة إلى المحاولات الجارية لاستكمال جبهات الهجوم وتوحيدها بهدف تحقيق أكبر تصعيد وتوتير ممكن ما قبل الحوار القادم
تشكّل المقولات العامة والمعوّمة حول «الديمقراطية»، و«حقوق الإنسان»، أحد العناصر الرئيسية الواسمة لهويّة الخطاب التقليدي لبعض المعارضة من الفضاء السياسي السوري القديم، كنقيض للقمع والاستبداد، والذي يقصد به غالباً الشكل الظاهر للقمع الأمني فقط، فيصبح تغيير هذا الشكل هو الهدف السياسي المعلن والوحيد لتلك القوى، والتي تركّز بذلك على النتائج، والأدوات والأذرع بدلاً من السبب الأصلي، الذي دون استهدافه سياسياً لا يمكن تحقيق أي تغيير جذري حقيقي
الفساد ولا سيما الكبير منه الذي استشرى في مختلف مفاصل الدولة هو الوليد الشرعي لسياسة كبت الحريات التي فرضها قانون الطوارئ، لأنه شل الدستور والقوانين المرعية، وجعل أجهزة الأمن تتمتع بحق التضييق على من تريد.
تم التوقيع مؤخراً على اتفاقية خدمات استشارة مالية بين «سلطة الطيران المدني السورية» و«مؤسسة التمويل الدولية»، وتدور بنود الاتفاقية حسبما أفادت مصادر مطلعة حول توسيع البنية الأساسية العامة لمطار دمشق الدولي وتحسينها من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والعمل على توسيع المطار نفسه وتشغيله بفعالية عبر إشراك القطاع الخاص لكونه أحد مكونات برنامج الحكومة للشراكة بين القطاعين.
ويأتي ذلك حسب المصادر استجابةً لنيّة الحكومة الشروع في برنامج ضخم لزيادة قدرة صالة الركاب في المطار وتحسين إدارة وعمليات الخدمات الجوية والأرضية (المحصورة أصلاً بمؤسسة الطيران العربية السورية بموجب مرسوم خاص) وذلك عن طريق برنامج «إنشاء وتشغيل وإعادة الملكية»، أو غير ذلك من أنظمة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لكون «سلطة الطيران المدني» ترغب في مشاركة القطاع الخاص لتحقيق هذه الأغراض عبر ما سمي بـ«مشروع مطار دمشق الدولي».
جاءت الزيادات الكبيرة في نفقات التقاضي لتفتح باباً للنقاش حول جدوى هذه الخطوات ومدى سلامتها وعدالتها ودستوريتها، وغني عن البيان أن هذا الارتفاع الكبير في رسوم التقاضي يحد من قدرة الفقراء على اللجوء إلى القضاء وهو حق دستوري لهم، إذ قد تصل نفقات الدعوى الواحدة مهما كانت بسيطة، ودون حساب أتعاب المحاماة إلى ما يزيد عن راتب بدء التعيين لموظف الفئة الأولى، وإذا كان النقاش حول مدى عدالة الخطوة ودستوريتها نقاشاً هاماً لابد منه لمقاربة المسألة، فإن العودة إلى أسبابها، ومن ثم رصد نتائجها البعيدة، أمر لا يقل أهمية.
يلعب الاتحاد العام لنقابات العمال دوراً مهماً في الكشف عن مكامن الفساد في الدوائر المختلفة، ولا يمر يوم على اللجان النقابية في الشركات والمؤسسات دون تقديم مذكرات أو رفع كتب للإشارة إلى بعض ذوي النفوس الضعيفة الذين يستغلون العمال لأتفه الأسباب، لكن الغريب في الأمر هذه المرة أن يستخدم عضو لجنة نقابية في إحدى الشركات العامة نفوذه النقابي، ويحتال وينصب على رفاقه العمال دون أية محاسبة.
إصلاح القطاع العام الصناعي كان ومايزال أحد القضايا المهمة العالقة بين الشركات العاملة في هذا القطاع، ورؤية وزارة الصناعة بتطويرها أو إغلاقها خلال السنوات العشر الأخيرة، وعلى الرغم من وجود عوامل عديدة ساعدت في خروج وإطلاق الكثير من الحلول لإنقاذ هذه الشركات من مأزقها، فإن الأمور مازالت دون المأمول، ومن القضايا التي لم تأخذ حقها في الاهتمام والبحث هو دور لجان الشراء والبيع في تخريب هذا القطاع الحيوي. وكمثال بسيط على وضع هذه الشركات من هذه الناحية، سنسلط الضوء على حاله واحدة على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما جرى في شركة «وسيم» للألبسة الجاهزة عند توقيعها عقد توريد لشراء لصاقة من مادة الاتيكيت ذات الترقيم الحراري قدرت بنحو /50/ مليون لصاقة، عن طريق المدير التجاري في الشركة ومدير الإنتاج.
ما تزال إدارة مشفى البيروني مصرة على عدم قبول معالجة أي مريض سوري أباً عن جد، من «أجانب» محافظة الحسكة حتى لو سقط مغشياً عليه عند أبوابها.. متجاهلة بذلك بنود المرسوم التشريعي رقم 74 لعام 1974، التي ينص صراحة في المادة الأولى منه على: «يعفى المصابون أو المشتبه بإصابتهم بأورام خبيثة من المواطنين العرب السوريين، ومن هم في حكمهم، من أجور معالجتهم في مؤسسات الدولة المختصة بهذه المعالجة، ويشمل الإعفاء نفقات كافة الأعمال الطبية التي تتطلبها معالجتهم من أعمال شعاعية ومخبرية ومداواة وإقامة وغيرها..».
تعد المشافي العامة المنفذ والمنقذ للأكثرية الساحقة من المواطنين المرضى الذين قد يحتاجون لمختلف العمليات الجراحية في أية لحظة، فهذه المشافي هي الملجأ الدائم لمن ليس لديه المقدرة على العلاج والتداوي في المشافي الخاصة التي ارتفعت أسعارها لتصل إلى فئة الخمس نجوم، محلقة عالياً بعيداً عن استطاعة أصحاب الدخل المحدود والمهدور في آن معاً، لكن في كثير من الأحيان يقع المرضى ضحية ابتزاز واستعلاء بعض الأطباء الذين يستغلون فقر الناس وعوزهم، ولعل ما يجري في مشفى المجتهد من عمليات لزرع الكلية يؤكد ما نذهب إليه، فمن المعروف أن عمليات الزرع في أي مشفى يحتاج إلى وضع ونوعية خاصة من الاستعداد والتجهيزات بسبب أهمية وخطورة العملية في الوقت ذاته، وخصوصاً فيما يتعلق بالتعقيم والمتابعة الخاصة من الكادر الطبي.
الرقة.. كأي جزء من وطننا الحبيب سورية تملك من الإرث التاريخي والحضاري الكثير.. فهذه المحافظة المعطاء تقع بين نهري الفرات والبليخ، ويمتد تاريخها إلى أبعد من الألف السابع قبل الميلاد كما دلت على ذلك مكتشفات تل مريبط ، وهذا ما يجعلها مرتعاً للاصطفاف السكاني لتواجد الرعي والزراعة معاً.
وفي تاريخها المعاصر توالى عليها العديد من المحافظين والمسؤولين، فمنهم من كان فاسداً، ومنهم من حاول القيام بإصلاحات وخاصةً في البنية التحتية لكن دون جدوى، وهم قلّة.. لأن قوى النهب والفساد المتعدد الأشكال والمتواجدة والمهيمنة الكبرى منها والصغرى، تقف بالمرصاد وتغتنم كلّ فرصة لتملأ جيوبها وخزائنها على حساب مصالح المواطنين، كبارهم وصغارهم، رجالهم ونساءهم عمالهم وفلاحيهم، وأصبح الفساد الفكري والاقتصادي والاجتماعي