ناهبو القطاع العام عادوا ليستفيدوا من التحول الاقتصادي.. التفاوت الطبقي أحد المظاهر الصارخة لاقتصاد السوق ونشاط الرأسمالية الطفيلية
لاشك أن وجود قوة اقتصادية، وبشرية، وإمكانيات وخبرات وإرادة.. هي شروط أساسية لإعداد وتنفيذ أية خطة اقتصادية – اجتماعية، وقد بينت الخطة الخمسية العاشرة والخطة الحادية عشرة أن التنسيق والتكامل بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية أحد أعمدة اقتصاد السوق الاجتماعي، وهي من المسلمات الأساسية التي تتبناها وتلحظها الخطط الاقتصادية، فالمواطن ورفاهيته محور التنمية الاقتصادية، والتي تتجسد بالحد من الفقر، وزيادة معدلات الدخل، والارتقاء بالمستوى المعيشي للسوريين، ولكن ماذا حصد السوريون بعد كل هذه الخطط الخمسية؟!
نهب ممنهج
البطالة وصلت إلى درجة غير مقبولة، والسيطرة عليها كانت أمراً شبه مستحيل، نتيجة التزايد السكاني، والتراجع في النمو الاقتصادي، وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، والتراجع عن المكاسب العمالية واحدة تلو الأخرى، والأخطر من هذا كله تزايد حدة التفاوت الطبقي، والتي كانت أحد المظاهر الصارخة لتطبيق الليبرالية الاقتصادية، فبعد النهب الممنهج الذي مارسته الرأسمالية الطفيلية بحق القطاع العام على امتداد عشرات السنين، عادت هي ذاتها لتستفيد من التحول الجاري في سورية إلى اقتصاد السوق، وكونت من خلال ذلك ثروات طائلة على حساب الفقراء..
ماذا عن التنمية الأخلاقية؟!
ماذا عن التنمية الأخلاقية؟! فهي ليست مفهوماً طوباوياً، أو حلماً في ظروف العولمة واقتصاد السوق والاستهلاك الترفي، ولكن في ظل اقتصاد السوق انتفت المفردات الأخلاقية، وترسخت مفاهيم الشطارة، والسمسرة، والفساد، والربح غير المشروع.. بينما يفترض أن التنمية الأخلاقية ملازمة للتنمية الاقتصادية، ولكن في سورية لم تكن هناك تنمية اقتصادية بالمعنى الحقيقي، وبالتالي انعدمت أيضاً التنمية الأخلاقية، وما نعيشه اليوم هو مواصفات مجتمع استهلاكي، والأمثلة على ذلك لا حصر لها، فأحد المستثمرين أقام منشأة اقتصادية إنتاجية بمئات الملايين، وطلب من مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل /200/ عامل إنتاجي، وقد تم ترشيحهم، ولكن المفاجأة أن جميعهم طلبوا رفضهم لكي يتم ترشيحهم إلى شركات القطاع العام، لأنهم لا يعملون في القطاع العام بالشكل المطلوب، ويقبضون رواتبهم، في حين أن عملهم في القطاع الخاص سيكون حقيقياً، وسيكون ملزماً، وتم ذلك فعلاً..
وهنا لا يمكن إلقاء اللوم على العمال أو تحميلهم مسؤولية قناعتهم، وذلك لأنهم يعملون في ظل الفساد الذي استشرى في مؤسسات القطاع العام، ويعلمون أيضاً بأن التركيز على الجدية وعلى الخطط والأخلاق بات لا يحظى بتقدير، وحل محل ذلك كله نوع من الركض المحموم وراء السمسرة والمنفعة والترف والاغتناء فوراً وبأي ثمن.
تجاهل المطالب
أي مطلب لخلق التنمية الاقتصادية، أو لخلق الإنسان المنتج، إنما هو مطلب اجتماعي، ودور الفرد فيه كدور الجزء في الكل، والإرادة الاجتماعية التي تطلب التطور الاجتماعي والاقتصادي هي القادرة بالضرورة على خلق الإنسان المنتج، وبالتالي، فإن الفرق الأساسي بين إنسان وآخر بالمعيار الاقتصادي والاجتماعي، هو الفرق بين منتج ومستهلك، والقاعدة هي تكافؤ حياته الإنتاجية مع الاستهلاكية، فهل وصلنا أو هل نصل إلى هذه القاعدة؟! فهذا السؤال يبدو أنه ابعد من أن يكون موضع اهتمام اقتصادي أو اجتماعي، ولكن تجاهلنا لهذا السؤال لا يعني عدم وجوده واقعياً، بل يكون عندها يتحرك ويفعل فعله الخطير، ولكن لا نذكره إلا عند الاستعصاء والأزمات!..