الفساد يهدد حياة أطفال دير الزور
يشكل التنافس على الظفر بالتعهدات العامة أحد أهم بؤر الفساد، إذ يجري الكسر في الأسعار إلى أكثر من 30% فيها، وهذا كما تثبت الوقائع، سيكون على حساب التنفيذ الجيد المطابق للمواصفات الفنية وشروط العقد، وسرعان ما سيبدأ النهب في مواد البناء وتقليل كمياتها وتخفيض مستوى الأداء. لكن خطورة ذلك لا تكمن في النهب والفساد فقط، بل بانعكاس ذلك على صحة المواطنين كما في مشاريع المياه، وعلى حياتهم كما في مشاريع دوائر الدولة والطرقات وغيرها.. والمدارس خصوصاً..
ولا شك أنّ هناك من يسكت على ذلك أو يتستر عليه في الجهات الإشرافية والرقابية، وهو بالتالي يحمي الفاسد الغشاش، إذا لم نقل إنه مشارك بطريقةٍ ما بالجريمة، وإلا لماذا يستمر أغلب المتعهدين في ممارساتهم وأعمالهم التي تتم تحت أعين أغلب المسؤولين ومدراء الدوائر المعنية!؟
لقد تناولنا في أعدادٍ سابقة العديد من حالات الفساد في هذا الجانب، وما كشفناه أو كشف هنا وهناك، لا يشكل سوى تلة صغيرة من جبل الفساد الكبير الذي راحت جذوره تترسخ في أعماق جهاز الدولة والمجتمع، وبات الفاسدون من المتعهدين والمسؤولين يمارسون فسادهم جهاراً نهاراً ولا يخافون لومة لائم!؟
والمؤسف أنه حتى مؤسسات الدولة وشركاتها الإنشائية غرقت في هذه الأوحال النتنة.. فعلى الرغم من الفساد والهدر والنهب فيها إلاّ أنّ تنفيذها للمشاريع ظل أفضل بكثير من عمل المتعهدين، لكنها بدأت في السنوات الأخيرة تفقد جبهات العمل أمام المتعهدين الخاصين، مما انعكس على عمالها واستمراريتها، حتى تحول قسم منها إلى وسيط، بعد أن ترسو عليه المناقصات لعجزه عن العمل..
ومؤخراً أشرنا إلى أنه تمّ هدر أكثر من تسعين مليوناً على كساء أسوار بعض المدارس بالحجر، بينما أغلب المدارس تفتقد إلى أبسط وسائل التعليم والمقاعد ودورات المياه. وعلى أثر ذلك تعرض مدير إحدى المدارس التي أشرنا إليها للتهديد من مدير الدائرة المسؤول، بأنه سيرفع عليه دعوى يتهمه فيها بالتشهير عندما أشرنا إلى أنه جرت محاولة لسرقة أكثر من خمسمائة ألف ليرة من قلم قلع بلاط المدرسة فقط، الذي مرت تحت سمعه وبصره لأنّ توقيعه على العقد موجود، ولولا كشفنا لها لمرت بسلام، ومدير المدرسة بقي أكثر من شهرين يطالب المتعهد بإزالة الأنقاض التي تُهدد حياة التلاميذ ولم يفعل ذلك إلاّ منذ ثلاثة أيامٍ بعد أن علم أن قاسيون تتابع الموضوع، وقد أصيب مدير المدرسة بالإحباط واليأس فتقدم بطلب إعفائه من الإدارة خوفاً من أمورٍ تحدث لا يُحمد عقباها..
أما في مدرسة الشهيد فيصل المحيميد، والتي تقع في حي هرابش، وهو من أحزمة الفقر في الجهة الشرقية من دير الزور، فقد رفع مديرها منذ السنة الماضية ستة كتب إلى مديرية التربية يطالب فيها بإزالة دورة مياه آيلة للسقوط مما يهدد حياة التلاميذ، فحولتها المديرية إلى مدير الخدمات الفنية للاطلاع والكشف وآخرها في 3/10/2010، وما تزال الأمور عل حالها، والأسوأ من ذلك أن مدير المدرسة قد تحدث مع مدير الخدمات الفنية في اتصال مباشر عبر التلفاز منذ أكثر من عام عن المشكلة ذاتها، ووعده أنه ستكون لديه الورشة وسيتم إزالتها في اليوم التالي، وحتى الآن لم يحدث ذلك .. أليس هذا استهتاراً بحياة فلذات أكبادنا؟
وننوه أنه في المدرسة ذاتها ثمة نسبة لا بأس بها من تلاميذها لم يستطيعوا تسديد التعاون والنشاط بسبب الفقر المدقع، وأنّ أغلب أبوابها دون أقفال، ودورة المياه الأخرى خسفت الأرض بها ولا تستعمل فيها إلاّ مناهل الشرب الخارجية، وشبابيكها مغلفة بالنايلون وليس الزجاج، وتفتقد إلى المقاعد، وقد قام مدير المدرسة بتسوّل بضعة كراسي من رئيس إحدى الدوائر فأعطاه مشكوراً، كما أنّ رئيس شعبة التعليم الابتدائي، ومساعد مدير التربية لشؤون الفني قاما بتأمين نحو عشرين مقعداً له، بل وساهما في تحميلها باليد إدراكا منهما لحجم المعاناة في قضية المقاعد التي نوهنا لها سابقاً، ونحن إذ نقدر جهودهما ونشكرهما عليها، نؤكد أنّ الحلول الصغيرة لا تحلّ مشكلةً ذات حجم كبير، مشكلة مرتبطة بالسياسة التعليمية، التي ترتبط بالسياسة الاقتصادية الاجتماعية التي ينتهجها الطاقم الاقتصادي والليبراليون الجدد...
أيها السادة: هل هذه تنمية المنطقة الشرقية التي تتشدقون بها؟؟ نحن لا ننافسكم على كراسيكم ومناصبكم لأننا لسنا من هواتها.. لكننا نتساءل: لمصلحة من ما تقومون به؟ مؤكد أنّه ليس لمصلحة الوطن ولا لمصلحة فقرائه وكادحيه.