«الشرق العظيم».. بين «انتحارية» الدفاع و«حمائية» الهجوم

الرئيس الأسد يوجه رسائل حادة في وضوحها للغرب، والرئيس سليمان «يكسر قيد توافقيته»، والسيد نصر الله يتحدث عن معادلات جديدة في الصراع، والرئيس أحمدي نجاد ينتقد «الرضوخ» الروسي لواشنطن بخصوص عقوبات «النووي»، بموازاة حدثين أحدهما مواصلة سلطات الكيان الإسرائيلي وقوات احتلاله لمناورات «تحول 4» «الدفاعية»، وثانيهما تسريبات عن أن أنقرة ستتدخل عسكرياً عند الضرورة لحماية أسطول كسر الحصار عن غزة المنطلق من انطاليا باتجاه سواحل القطاع..!

كل ذلك هو بعض من عناوين رئيسية ترسم لوحة التطورات الجارية في المنطقة حالياً ومآلاتها المحتملة باتجاه اندلاع المواجهة العسكرية بين معسكر الاعتداء والاعتدال والتواطؤ، من جهة، وجبهة المقاومة والممانعة، من جهة ثانية، والمنتقلة، فيما يبدو، نحو امتلاك زمام المبادرة بالهجوم الدبلوماسي، والنفسي، والسياسي، والعسكري إن لزم الأمر، أي الانتقال نحو التحرير، أو أقله امتلاك جماعي لمعالم إرادته، لأن «التغييرات الجارية على موازين القوى في ظل الأزمة الرأسمالية العظمى»، تدفع للاستنتاج «أن بقاء المقاومة هو رهن بتحولها إلى قوى تحرير أي إلى قوى هجوم.. أي بكلام آخر بقاء قوى المقاومة على خط الدفاع عندما تنضج ظروف الهجوم هو انتحـــــــار، لأن التاريخ لا يعطي أية قوة صاعدة فرصتين، بل فرصة واحدة فقط، فإما أن تستفيد منها أو تزول بغض النظر عمَّن يرفع الراية الأولى في هذه المرحلة أو تلك..»، والاقتباس هو من التقرير العام المقدم أمام المؤتمر الثاني عشر للشيوعيين السوريين في 2 نيسان 2010.

ومرة أخرى، عندما يؤكد الرئيس الأسد أن على الغرب أن يدرك أن المنطقة قد تغيرت وعليه لجم «إسرائيل»، فإن أحد معاني هذا القول هو أن البديل أمام الغرب في ظل السلوك الإسرائيلي العدواني، وأمام شعوب المنطقة هو غياب السلام، أي الحرب. وعندما يثبّت الرئيس سليمان في ذكرى عيد تحرير الجنوب معادلة الصمود اللبناني، والإستراتيجية الدفاعية المنشودة، على حد سواء (شعب- جيش- مقاومة) ويشدد من ناحية ثانية، على خصوصية العلاقة السورية- اللبنانية، ورفض أي تدويل للحدود تحت أية ذريعة كانت، فإن هذا يعني أن الرجل يدرك أن ثمة ما يدفعه نحو «عدم الوقوف على مسافة واحدة» من كل الفرقاء اللبنانيين بمواقفهم ومشاربهم السياسية والفكرية، ومن كل الأطراف والمشاريع الدولية في المنطقة، لأنه لا يمكن أن يكون «توافقياً» في القضايا المصيرية، مدركاً في الوقت ذاته «ثمن ذلك» لدى الآخرين، من أمثال سمير جعجع وتعليقاته الموتورة، التي وصفها نصر الله بشكل غير مباشر لاحقاً، ولكن بالفم الملآن، بالخيانية، عندما وضع في خطاب ذكرى التحرير أيضاً مقومات الصمود والانتصار، وأولها امتلاك الإرادة، إلى جانب المعادلات «البحرية» الجديدة في الصراع العسكري مع الكيان الإسرائيلي، مبقياً على نحو متعمد باب التكهنات، حول «السكود» وامتلاك حزب الله لتكنولوجيا الصواريخ، موارباً..!

بالمثل، ومن دون إشارات مساواة بين الشخصين، أبقى سعد الحريري، الذي كان لافتاً غيابه في واشنطن في ذكرى التحرير المجيدة، وبغض النظر عما صرح به على العتبات الداخلية للبيت الأبيض، على غموض ما تم الاتفاق عليه مع المسؤولين الأمريكيين بخصوص «العلاقة مع سورية»، و«الصواريخ»، و«المقاومة»، و«النووي الإيراني»، و«المساعدات» الأمريكية للجيش اللبناني، وتطبيقات «الاتفاقية الأمنية» المشبوهة مع واشنطن..!

من ناحية ثانية، هل يوحي التصعيد الكلامي غير المسبوق من أحمدي نجاد تجاه روسيا ميدفيديف أن الأمر مجرد تصريح أُريد له أن يكون «انفعالياً» ليبني الغرب تصورات خاطئة عليه، وما هو إلا مجرد هجوم عابر والسلام؟  أم أن لدى الرئيس الإيراني معطيات عن انقلاب في المواقف الروسية تتجاوز حدود عقوبات مجلس الأمن نحو البقاء على الحياد في أي عدوان بات وشيكاً ربما، وتتغاضى عن المصالح والصفقات الإستراتيجية بين موسكو وطهران والتي يمكن أن تستمر في كل الأحوال لولا هذه الأزمة الكلامية بين الطرفين عبر قنوات أخرى رغم تشديد حصار العقوبات؟ وما الذي يدفع بالرئيس الإيراني إلى تحذير ميدفيديف من الانتقال إلى «صفوف أعداء الأمة الإيرانية العظيمة»؟ هذه الأسئلة قد لا يستطيع احد الزعم أن لديه إجابات شافية عنها..!

فماذا عن جديد «القطيعة» الآخذة في التبلور أكثر فأكثر بين أنقرة وتل أبيب؟ وأين موقع التهديدات التركية، المنقولة صحفياً في المواقع الالكترونية عن «مصادر مطلعة»، أن أنقرة سترسل بمرافقة عسكرية جوية لحماية القافلة البحرية المنطلقة من انطاليا باتجاه سواحل غزة لكسر الحصار وضمان عودتها سالمة، وأن أنقرة «ستتدخل عسكرياً عند الضرورة»؟ وذلك بعد أيام معدودات من «الطرنة» الإسرائيلية حول ما تردد عن «نصب تركيا لصواريخ على حدودها مع سورية لتتدخل دفاعاً عنها عند أي هجوم إسرائيلي»..

والأهم ألا يكمن خلف ما تضمنته المناورات «الدفاعية» الإسرائيلية من نقل للمستوطنين إلى الضفة كمحاكاة لما قد يضطر الاحتلال له عند اندلاع الحرب، وتأكيد سلطات الاحتلال أنها ستعوض مادياً على الضفة الغربية في حال تعرضها لصواريخ إيرانية أن هذه السلطات تأخذ فلسطين المحتلة كلها رهينة في هذه الحرب لكي تحمي وجود كيانها ووجود مستوطنيها الذي تدرك أنه بات مهدداً أكثر من أي وقت مضى؟

وهناك بعيداً في الشرق، لماذا كلما شُد حبل التوتر في المنطقة انتقلت موجاته الجيبية إلى شبه الجزيرة الكورية والصين والقوقاز؟ بالعموم لأن أزمة النظام العالمي واحدة، والرد عليها واحد وإن تعددت جبهاته، ولكن بين «الانتحار» بمواصلة «حمية» الدفاع، و«البقاء» بالانتقال إلى «نظام الحماية» القائم على الهجوم، سيتحدد مستقبل منطقة «الشرق العظيم» بشعوبها ومقدراتها وثرواتها، لأن للفراغ الناجم عن الأزمة الرأسمالية موجباته لدى القوى الإقليمية الصاعدة، ولأن الامبريالية الأمريكية والصهيونية بخصوص منطقتنا، كما جاء في تقرير الشيوعيين المذكور أعلاه، «تسعيان اليوم إلى تفكيك نتائج سايكس- بيكو نفسها عبر تجزئة وتقسيم الدول المقامة على أثره، ولا شك أن الدفاع عن الدول الوطنية الناشئة في القرن العشرين هو أمر هام وتقدمي في مواجهة مخططات الامبريالية، ولكن هذا الموقف هو دفاع، والانتقال إلى الهجوم يتطلب تعميق رؤيتنا لمفهوم وحدة مصالح شعوب الشرق العظيم»...

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.