العطلة الحكومية وتعطيل الدولة!
أصبح إقرار العطلة الرسمية لأيام طويلة متواصلة، لأسبوع أو عشرة أيام، عرفاً وعادةً لدى الحكومة، وأمراً طبيعياً على ما يبدو، وتكاد تكون حدود تداعياتها وآثارها معدومة بالنسبة للناس، وعلى الأنشطة الاقتصادية في البلاد!
فالعطلة الرسمية وطول مدتها يعني أن حضور الحكومة ومؤسسات الدولة، وغيابها سيّان بالنسبة للناس وللأنشطة الاقتصادية في البلاد، وهو من الناحية العملية تعبير عن مدى تراجع دور الدولة بتأثيره المباشر على المواطنين بمعاشهم وخدماتهم، وعلى العجلة الاقتصادية!
فالحكومة من خلال إدراكها لهذه الحقيقة أصبحت تقر العطلة الطويلة بكل رحابة صدر، وبخلفية تبريرات قراراتها أنها بذلك تحقق وفراً في النفقات، وتقدم ميزة للعاملين في الدولة، كذريعة ليس إلا!
القطاعات الإنتاجية متراجعة سلفاً!
العملية الإنتاجية في جهات القطاع العام الصناعي (ما تبقى منها طبعاً) متراجعة ومتردّية، ودون عتبة الطاقات الإنتاجية فيها أصلاً، وذلك لعدم توفر مستلزماتها، والصعوبات المزمنة التي تواجهها، ولا علاقة لدوام العاملين أو انقطاعهم بهذه النتائج، بل بالسياسات الحكومية المتبعة تجاهها، ولا ندري إن كانت ذريعة الوفر من خلال العطلة تعتبر ميزة في هذه الجهات وفقاً للحسابات الحكومية؟!
والقطاع الصناعي الخاص ليس بأحسن حالاً على مستوى العملية الإنتاجية فيه، فمعاناته وصعوباته مزمنة، مع العلم أن العطلة الرسمية ليست ذات تأثير سلبي مباشر عليه!
أما قطاع الإنتاج الزراعي، بشقيه الحيواني والنباتي، فهو بحال تراجعٍ وتردٍّ مستمر، والعملية الإنتاجية فيه لا تتأثر لا من قريب ولا من بعيد بأيام العطل الرسمية، بقدر تأثرها السلبي بالقرارات والسياسات الحكومية التي تكرّس هذا التراجع عاماً بعد آخر!
الخدمات العامة في تردٍّ مستمر!
الخدمات العامة (كهرباء- ماء- اتصالات...) هي في أسوأ أحوالها سلفاً، سواء داومت الجهات الرسمية المعنية والمسؤولة عنها أم لم تداوم، فحتى المناوبات التي تفرض على بعض العاملين في هذه الجهات خلال أيام العطلة كطوارئ ليست ذات أثر إيجابي على الناس!
أما الخدمات المرتبطة بالقطاع الخاص فلا تتأثر بالعطلة الرسمية، وخاصة على مستوى عوامل الاستغلال المستمرة بالعطلة أو دونها، مع جرعات متزايدة منها خلال أيام العطلة طبعاً، وخاصة تلك الأنشطة المرتبطة بالسوق السوداء!
ولعل الميزة الإيجابية المسجلة خلال العطل الرسمية هي قلة الازدحام على وسائل المواصلات فقط لا غير!
القطاع التعليمي المترهل!
كذلك الحال مع القطاع التعليمي، فالمناهج التعليمية في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي غالباً لا يتم استكمالها، والسبب بذلك ليس النقص بأيام الدوام الفعلي فقط، بل بسبب النقص الحاد بالكادر التدريسي، مع غيرها من الأسباب المهمّة طبعاً، على ذلك فإن العطلة الرسمية ربما تزيد من التأثير السلبي لذلك، مع العلم أن العملية التعليمية، بتراجعها وتردّيها وترهلها، وبمخرجاتها كنتيجة، لا علاقة لها بأيام الدوام أو بأيام الانقطاع، بل بمجمل السياسات التعليمية المطبقة!
القطاع الصحي المنتكس!
القطاع الصحي العام يستمر بالعمل خلال أيام العطل الرسمية، وواقع التردي المسجل فيه لا علاقة له بالدوام الحكومي او انقطاعه، فالانتكاسات التي شابت هذا القطاع بدأت تأثيراتها السلبية الكبيرة عليه مع بدء سياسات تخفيض الإنفاق وتخفيض الدعم، وتوجت بتحويل المشافي إلى هيئات عامة تبحث عن موارد لتغطية إنفاقها المتزايد!
حال الناس!
أما لسان حال المواطنين فيقول عسى أيام العطلة تشمل الطاقم الحكومي نفسه، من وزراء ومسؤولين وأصحاب قرار، فقد يحد ذلك من القرارات الرسمية بأيام العطل أو خارج أوقات الدوام الرسمي، بما تحمله تلك القرارات غالباً من سوء يزيد عليهم بؤسهم وشقاءهم وفقرهم!
ليست عطلة بل تكريس لتعطيل الدولة!
ما جرى ويجري على مستوى اعتياد إصدار قرارات العطل الطويلة من قبل الحكومة هو تكريس رسمي لتعطيل الدولة عن القيام بالكثير من واجباتها، سعياً لتغييبها الكلي عن الواقع الاقتصادي الاجتماعي في البلاد، وحتى من ذهن الناس!
فما سبق أعلاه من عناوين، يمكن إضافة الكثير غيرها طبعاً، يمكن اعتباره اختصارات مكثفة للتعبير عن النتائج السلبية الكارثية لتراجع دور الدولة وتغييبها عن الكثير من المهام المفترضة بمسؤوليتها!
فالتخلي عن المهام والأدوار المناطة بالدولة تباعاً، خلال العقود الماضية وحتى الآن، بنتيجة تبني السياسات الليبرالية المنحازة والظالمة، وتطبيق نماذج الانفتاح الاقتصادي والتحرير السعري والخصخصة المباشرة وغير المباشرة، هو بحد ذاته تعطيل مقصود للدولة عن ممارسة جزء هام من مهامها وواجباتها ومسؤولياتها، وخاصة على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، ولتتوّج الحكومة كل ذلك بأيام العطل الطويلة رسمياً، التي أصبحت أمراً اعتيادياً!
وطبعاً كل ما سبق يتم لمصلحة قوى النهب والفساد، التي تسعى لاستكمال ابتلاع أدوار الدولة ومهامها تتويجاً لتحكمها وسيطرتها على الواقع الاقتصادي بأنشطته المختلفة، وتجيير كل ذلك لمصلحتها فقط لا غير، مدعومة بالسياسات الرسمية المطبقة والمنحازة لها على طول الخط، بالضد من مصلحة البلاد والعباد!