هل حان الوقت للحديث عن «الاشتراكية ذات الخصائص الروسية»؟
مع نجاحاتها المتواصلة، تُظهر جمهورية الصين الشعبية مزايا البنية الاقتصادية الاشتراكية البديلة للرأسمالية الليبرالية؛ فمن خلال خلق نموذج فعّال وخلّاق للتنمية الاقتصادية الاجتماعية يسمى «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية»، فرضت الصين تحدياً وجودياً للنموذج الليبرالي الذي تعدُّ الولايات المتحدة وصياً عالمياً عليه. وانعكس هذا النجاح في خروج دعوات جديدة للسير على خطى الصين، بما في ذلك في روسيا، حيث كتب الباحث الروسي ونائب رئيس جمعية الصداقة الروسية الصينية والعضو الدائم في نادي «إيزبورسك»، يوري تافروفسكي، مقالاً بعنوان «الاشتراكية ذات الخصائص الروسية هي البديل لروسيا»، فيما يلي أبرز ما جاء فيه.
تثبت الصين فعلياً إمكانية وجود هيكل اقتصادي اجتماعي مختلف اختلافاً جذرياً عن النظام الليبرالي. لهذا، يحشد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وفريقه حلفاءهم عبر العالم لمواجهة الصين، وهذا كان الهدف من «القمة من أجل الديمقراطية» التي نُظّمت قبل عامين (في نهاية عام 2021)، حيث وجهّت الولايات المتحدة مواردها الأيديولوجية والدعائية بشكلٍ رئيسي ضد نظام «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية» والحزب الشيوعي الصيني. وقد برهن الوقت الذي مرّ منذ ذلك الحين على فشل محاولات كبح الاشتراكية الصينية واحتواء الصين. بل على العكس من ذلك، فإن جاذبية الطريقة الصينية التي يقوم أساسها الإيديولوجي على الاشتراكية مستمرة في النمو. وتكتسب هذه النظرية والممارسة أمام أعيننا زخماً عالمياً وتاريخياً.
ثمة «شبحٌ» يجول العالم... مرة أخرى
أكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في حزيران 2021 أنه «على أساس استمرار وتطوير الاشتراكية ذات الخصائص الصينية... لقد شكلنا نموذجاً صينياً جديداً للتحديث وأنشأنا شكلاً جديداً من أشكال الحضارة الإنسانية». وبعد بضعة أيام، قدّم الأمين العام لأكبر حزب شيوعي على كوكب الأرض توضيحاً مهماً للغاية: «لا توجد صيغة قابلة للتطبيق عالمياً للتحديث، ويجب على الدول البحث عن الحلول المثلى. من جانبه، فإن الحزب الشيوعي الصيني مستعدّ لنقل الخبرات وتبادلها مع الأحزاب السياسية في جميع الدول».
أخذت بكين كل ما تحتاجه من الغرب، وتخلصت من كل شيء غير ضروري. وعلى مدار السنوات تم الاحتفاظ بنار الاشتراكية وحمايتها في مواقد مراكز البحوث الحزبية والمدارس والجامعات مغلقة عن أعين المتطفلين. وعندما حان الوقت، أطلق الحزب الشيوعي النيران. في المؤتمر الـ19 في عام 2017، أعلن بصوتٍ عال عزمه على «التذكر بحزم ووعي الغرض الأصلي والمهمة الموكلة إلينا». وأن الشائعات حول زوال الاشتراكية «تبين أنها مبالغ فيها إلى حد كبير». فالاشتراكية كفكرة عامة تُشكل قوام تنظيم الدولة تنتصر في الصين وفيتنام وكوريا الشمالية ولاوس [رغم وجود تباين في آليات تنظيم الدولة في كل دولة من هذه الدول]. وعلى غرار «شبح الشيوعية» الذي كتب عنه ماركس وإنجلس بأنه تجوَّل في جميع أنحاء أوروبا، فإن ثمة شبح جديد يجول في كوكبنا كله، وهو النموذج الاجتماعي السياسي الجديد الذي تمّ اختباره في الممارسة العملية وبات يسير على قدميه، وهو منطق «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية». حيث يمكن تطبيق هذا النموذج من البنية الاقتصادية والاجتماعية في دول أخرى بوصفها «اشتراكية جديدة ذات خصائص وطنية». وفي حالتنا، يمكن الحديث عن «الاشتراكية ذات الخصائص الروسية».
إكرام «نموذج التسعينيات» في روسيا... دفنه
تواجه روسيا الآن إصلاحات عاجلة وجادة للحياة الاجتماعية والاقتصادية. حيث تبيّن أن النموذج الرأسمالي الليبرالي الذي فُرض علينا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي كان نموذجاً فاشلاً. وهذا لا يتعلق فقط بالنسخة الاستعمارية التي روَّج لها المستشارون الغربيون للرئيس بوريس يلتسين ورئيس الوزراء إيغور غيدار، بل إن النموذج نفسه استنفد موارده وحكم على الدول الغربية بالركود الاقتصادي والانحدار، والانحرافات في الحياة السياسية والروحية. ومن الواضح أنه لا يمكننا الاستمرار في العيش وفقاً لهذه القواعد.
لكن لا يوجد إجماع - حتى الآن - على نموذجٍ تنموي جديد في المجتمع الروسي. وفي هذا الصدد، يحاول خبراء الصين تقديم النموذج الصيني للمناقشة كأحد الخيارات المطروحة. لكنهم هم أنفسهم لاحظوا أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لها خصوصيتها الواضحة التي يمليها تفرّد الحضارة والتاريخ واللغة وحتى جغرافية الصين، لكن ببساطة لا يوجد نموذج للحكم والتطوير ناجح آخر في العالم الحديث.
هذا ما نفتقر له عملياً
تساهم الحقائق السياسية في تعزيز أفكار «الاشتراكية ذات الخصائص الروسية». حيث دخلت روسيا والصين مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية، والتي يمكن تسميتها بعتبة «التنسيق القتالي». وبعد الاجتماع بين الرئيس بوتين والرئيس شي جين بينغ في شهر آذار من هذا العام، تمتلئ هذه المرحلة بسرعة بمحتوى جديد. حيث يتم تفصيل اتفاقيات الرئيسين، القائدين الأعلى للقوات المسلحة خلال اجتماعاتهما الجديدة، وخلال المفاوضات بين وزيري الدفاع والداخلية ورؤساء مجالس الأمن والمسؤولين الأمنيين الآخرين، ويتم تجسيد خطة التفاعل الاقتصادي خلال المحادثات بين رؤساء الحكومات ونوابهم والوزراء ورؤساء الدول وكبار رجال الأعمال. ويجتمع قادة البرلمانات والأحزاب والمنظمات العامة بشكل دوري.
لكن، رغم ذلك، تفتقر كل من روسيا والصين إلى شكل آخر من أشكال «التنسيق القتالي» وهو الشكل الأيديولوجي. يجب أن نفهم بشكل أفضل المصادر النظرية للإجراءات العملية لبعضنا بعضاً. ومن خلال معرفة وجهات النظر الأساسية لبلد أصبح حليفاً فعلياً لنا، سنكون قادرين على التنبؤ بدقة أكبر برد فعله على الأحداث الدولية، وتطوير التفاعل الثنائي وتنظيم أحداثنا الداخلية. مثل هذا التفاهم المتبادل ضروري بنفس القدر لموسكو وبكين في سياق الحرب الباردة التي أطلقها الغرب الجماعي بقيادة الولايات المتحدة ضد قوتنا.
وتمتد الجبهة الغربية لهذه الحرب العالمية بالفعل من فنلندا إلى تركيا، والعمليات العسكرية جارية في القطاع الأوكراني. والجبهة الشرقية مدعومة من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين وأستراليا. ويتم إنشاء جمعيات عسكرية سياسية جديدة على شاكلة AUKUS وQUAD. ويتم استفزاز الصين باستمرار لتكرار السيناريو الأوكراني وشن ضربة وقائية ضد الانفصاليين في تايبيه.
الاشتراكية هي البديل الوحيد من أجل روسيا
في خضم الظروف العسكرية، تحدُث تغييرات جذرية في الاقتصاد والحياة الاجتماعية في روسيا. ونموذج الدولة المخططة في الاقتصاد يتعزز بشكل كبير... لقد تخلّص المجتمع الروسي من الأوهام حول إمكانية إقامة شراكة متبادلة المنفعة مع الغرب. وأصبحت الأفكار الرأسمالية الليبرالية هامشية، والاهتمام بالاشتراكية ينمو بسرعة، خاصة بين الشباب.
أصبحت الأفلام والموسيقى التابعة للحقبة السوفييتية والدراسات حول ستالين واستراتيجيته ذات شعبية متزايدة. وأظهرت استطلاعات الرأي العام أن حوالي 50% من الشباب يرغبون في العيش في ظل الاشتراكية. وفي ظل العقوبات الاقتصادية الغربية، أصبحت الأسواق مشبعة بالسيارات الصينية وغيرها من السلع. إن جودتها العالية تغيّر الصور النمطية التي عفا عليها الزمن عن الصين وتحفز التفكير في أسباب «المعجزة الصينية».
في الجوهر، تتزايد في روسيا الشروط المادية والروحية للانتقال التدريجي إلى تطبيق نموذج محدّث للاشتراكية. وبين الأحزاب السياسية الكبرى في روسيا لا يوجد حزب اشتراكي فعلي حتى الآن. لكن هناك «خزانات فكرية» ومجموعات بحثية ومراكز أبحاث تعمل على فكرة «الاشتراكية ذات الخصائص الروسية». أعتقد أننا سنشهد إقبالاً كبيراً على هذا البديل في روسيا.