نور أبو فرّاج
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
تمتلك محافظة السويداء موروثاً غنائياً ضخماً- من قصائد الفن والهوليّات والجوفيّات- الذي كان يتم أداؤه بصورة حيّة وجماعية في المناسبات الاجتماعية المُختلفة. لكن قلة من هذه الأغاني نجحت حقاً في تجاوز عتبة المحافظة نحو المدن السورية الأخرى، بعد أن عمل على نقل بعضها المغني داود رضوّان والمطرب الشهير فهد بلّان. رغم أن الأخيّر، وإن كان لم يعد غناء الأغاني التراثية ذاتها، إلا أنه نقل شيئاً من أساليب الغناء في المنطقة، وتركيباتها اللحنية، ودرجة الحماسة المرتبطة بأغانيها.
قبل سنوات ذَهبت عائلتي في زيارة إلى مصّر، وكنت حينها لا أزال مراهقة مولعّة بالفنان محمد منير. وعلى اعتبار أنني كنت في زيارتي تلك أقترب خطوة منه، ومن البلاد الذي لطالما غنّى لها، أخذت معي مسجّلة صغيرة وبضعة شرائط كاسيت له أعدت سماعها طوال الرحلة.
رافقت شخصيتا «باسم ورباب» أطفال جيل الثمانينات، ومن سبقّهم في رحلة تعلّمهم ضمن المدّارس السوريّة، بحيث تحوّل الطفلان الذي ابتدعهما الرسام ممتاز البحرة إلى رمزٍ راسخ لمناهج وكتب التعليم السورية. واليوم، وعلى الرغم من أن الحديث عن تجديد المناهج يتم تناوله بكثافة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن هناك شرائح واسعة من السوريين- وتحديداً الذين يخلو محيطهم من الأطفال- لا يعلمون حقاً القيم التي تروّج لها هذه المناهج، أو الموضوعات التي تتصدى لمعالجتها. وفي هذا المقال ستتم الإضاءة بصورةٍ خاصة على كتاب الدراسات الاجتماعية للصفيّن الخامس والسادس الابتدائي. المطبوع للمرة الأولى عام 2018-2019.
في المقهى جلسنا متقابلين في أمسية خريفية، وكنت تحدثني عن هرمون الدوبامين، ذلك واحدٌ من تلك الأحاديث العشوائية الذي يجد المرء نفسه في خضمّها دون أن يعلم ما الذي أوصله إليها أو كيف. شرحت لي كيف تقوم الخلايا العصبية في الدماغ بإفراز الدوبامين بعد الاستماع إلى مقطوعة موسيقية محببة، أو القيام بنزهة تحت أشعة الشمس. كان وجهك يكتسي بتعبيرٍ طفولي، وأن تتخيله ينساب في الجسد بحيث تضيق عيونك، وينفرج فمك عن ابتسامة مسترخية، وأنت تلفظ المقطع «مييين» في الدوبامين. أليس ذلك مثيراً للضحك؟ أن يرتبط شخصٌ حزينٌ مثلك، حتى النخاع، في ذاكرتي إلى الأبد بهرمون السعادة؟
اجتاحت موجة غضب جديدة مواقع التواصل الاجتماعي، كرد فعل على أغنية تحمل اسم «خذني زيارة على تل أبيب» كتبها الشاعر الإماراتي عبد الله المهري وأدّاها خالد العبدولي ويحيى المهري. والأغنية، كما يشي عنوانها، تحتفي بالتطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني.
التصقت صورة الغني في أذهان السوريين بشخصية «مالك بيك الجورابار» في مسلسل الفصول الأربعة، فخيال شريحة كبير منا لم يصل في رسم صورة الثري أبعد من رجل أعمال أنيق يملك معملاً لصنع الجوارب، وفيلا فخمة تضم مسبحاً.
قد يظن المرء بأن السنوات القليلة الماضية، بما فيها من جرعة واقعية، وأحداث قاسية، كانت كافية لكنس جميع الخطابات الرائجة حول التحفيّز الذاتي والبرمجة اللغوية العصبية. فأي شخصٍ منا لا بد أن يكون قد استنتج أن استراق النظر من نافذة ما في هذا العالم، فعلٌ كافٍ- رغم بساطته وبدهيته- للإدراك بأن ما يحصل خارج ذاته، وخارج نطاق إمكاناته وأحلامه، مهيمنٌ وطاغٍ وعنيف بصورة لا تحتمل. استراق النظر للمصائب التي تحدث في خارج كفيلٌ لإقناعه بالإقلاع عن عادة الوقوف أمام المرآة وتكرار عبارة: «تستطيع فعلها، تستطيع النجاح، أحب نفسك»، كما لو أن تلك تعويذة مجرّبة للنجاح. لكن لا، وكما يبدو دعاة التنمية الذاتية لا يملكون نوافذ في منازلهم.
خلقت الحرب السورية بأحداثها وتطوراتها جداراً سميكاً قسم عالم السوريين إلى نصفين؛ الداخل والخارج، هنا وهناك، من غادروا أو من بقوا. ورغم أن عشر سنين قد مرت منذ بدء الأزمة إلا أن تفاعلات هذا الانقسام ما تزال حاضرة في يوميات السوريين وحياتهم، التي تلقت ضربةً قاسية هشّمت الشبكات الاجتماعية، وكرّست حالة من الاغتراب بين الجميع؛ اغتراب من هجروا أوطانهم واغتراب من ظلّوا فيها.
كثيراً ما يصوّر فعل الهجرة كفعلٍ فردي؛ شخصٌ ما يحزم حقائبه، يودّع عائلته ورفاقه، يركب قارباً أو طائرة، يسافر، يصل، يبحث عن مكانٍ للسكن والعمل، يمزّق جواز سفره، يبدأ بإجراءات لم الشمل. والتفكير بالسفر والهجرة بهذا المعنى يعيق أحياناً عن رؤية المشهد الكلي لخرائط التنقّلات والحركة حول العالم.
يضحك السوريون اليوم كثيراً، يضحكون بالدرجة نفسها التي يغضبون فيها، أو يضحكون ربما من شدة الغضب. فالأشهر القليلة الماضية بما حملته من تفاقم في الأزمات الاقتصادية والمعاشية حفّزت كما يبدو الرغبة باختلاق أكوامٍ جديدة من النكات التي يتم تداولها مشافهةً أو على مواقع التواصل الاجتماعية، للاحتجاج والسخرية من الحال التي وصل إليها الناس.